وجهة نظر في نمط الاقتراع

وجهة نظر في نمط الاقتراع
شارك

حـمـيـد الـــمــُعْـــطَـــى

تتعدد أنماط الاقتراع في الانتخابات المحلية والوطنية وتختلف من أجل تحقيق ديمقراطية تمثيلية ، ولكل نمط  مزاياه ومثالبه وهو في كل الأحوال غير برئ وغير محايد في خلفياته السياسية.

فنمط الاقتراع المعتمد في أي نظام سياسي لا يعتبر آلية تقنية محضة إذ تنتج عنه تبعات وتداعيات سياسية من خلال النتائج التي يفرزها ، لذلك اجتهدت الدول العريقة في الديمقراطية في البحث عن أحسن الأنماط وأكثرها إنصافا وعدلا .

ومن ثمة تعددت الأنماط من الأحادي الاسمي في دورة أو دورتين إلى اللائحي الأغلبي أو النسبي بعتبة أو بدونها مرورا بأنماط أخرى مزدوجة أو مقيدة أو تشتمل على نسبة من الكوطا تمنح لبعض الفئات من المجتمع كالنساء والشباب والأقليات الدينية أو الإثنية أو الطائفية.

ويرتبط التحكم في النتائج بالإضافة إلى نمط الاقتراع المعتمد التقطيع الانتخابي الذي يتدرج من وحدة ترابية محدودة الساكنة إلى دوائر واسعة إلى الحد الذي يمكن اعتبار الدولة برمتها دائرة انتخابية واحدة وكل خيار تحكمه اعتبارات وحمولات وخلفيات سياسية.

وقد مرت عملية الانتخابات بمجموعة من المراحل التاريخية التي تميزت أساسا بالتقييد الليبرالي للاقتراع العام وبتبرير هذا التقييد بنظرية السيادة الوطنية ، ولهذا فرضت مجموعة من الشروط المقيدة لمبدأ الاقتراع العام والتي يمكن إجمالها في – الاقتراع المقيد بدفع الضريبة – والاقتراع المقيد بالكفاءة العلمية- ومنح حق الانتخاب للرجال دون النساء- والاقتراع المقيد برفع السن الانتخابي-و التقييد العنصري للاقتراع العام-والتصويت غير المتكافئ في عدد الأصوات.

ولكن بعد التطورات والأحداث التي عرفتها المجتمعات الغربية، تم التخلي تدريجيا عن هذه القيود، لترتبط بذلك الديمقراطية السياسية الليبرالية بتعميم حق الانتخاب، وليصبح لكل مواطن صوت شريطة توفره على الشروط القانونية المؤهلة للمشاركة في العملية الانتخابية.

وقد كان تعميم حق الانتخاب بمثابة انتصار كبير لنظرية السيادة الشعبية على نظرية السيادة الوطنية ، حيث أن النظرية الأولى اعتبرت الانتخاب حقا لكل مواطن دون قيد أو شرط ما عدا الشروط القانونية كشرط السن والجنسية …الخ، وقد تم الإقرار بأن الانتخاب لا يكون معبرا عن روح الديمقراطية إلا بقدر ما يكون وسيلة لمشاركة أكبر عدد من المواطنين في عملية إسناد السلطة. وذلك لأنه لا يكفي أن يكون إسناد السلطة إلى الحكام قد تم عن طريق الانتخاب ليصبح النظام ديمقراطيا بمعنى الكلمة، بل يجب أن يكون حق الاقتراع عاما دون أن يكون مقيدا بنصاب مالي معين أو بشرط الكفاءة.

ويفترض مبدأ تعميم حق الانتخاب إيجاد مجموعة من الأساليب لممارسته ، والتي من خلالها يتمكن الناخبون من اختيار ممثليهم الذين يمارسون الحكم باسمهم.

وفي المغرب تم اعتماد نمط الاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة وبالأغلبية النسبية في جميع الانتخابات الجماعية والنيابية منذ1960و1962إلى حدود استحقاقات 2002 النيابية و2003 الجماعية حيث تم اعتماد نمط الاقتراع اللائحي .

ورغم مزايا النمط الأحادي الاسمي في تقريب المنتخب من الناخب في الحي أو الدوار في الاستشارات المحلية وفي المدينة الصغيرة أو جزء من المدينة الكبيرة في الانتخابات الوطنية فإن أصواتا من النخبة السياسية ما فتئت تدعو وتنادي بالتراجع عن هذا النمط الذي يكرس القبلية والزبونية ويشجع البيع والشراء في الأصوات ويهدد بأوخم المخاطر المؤسسات التمثيلية لأنه يفتح المجال لسماسرة الانتخابات بفتح سوق نخاسة محدودة العرض يمكن إغراء ناخبيها من قبل ذوي النفوذ والجاه  بالمال لاستمالة أصواتها ولا سيما في الأوساط الشعبية الغارقة في الفقر والأمية.

وهكذا ابتليت الجماعات الترابية ومجلس النواب على مر السنوات والانتدابات بكائنات انتخابية لا يهمها إلا قضاء المآرب الخاصة المادية والمعنوية وتحصين مواقعها الاعتبارية وحماية مصالحها الظاهرة والمتخفية والتستر على ملفاتها وفضائحها بعيدا عن التضحية في سبيل المصلحة العامة أو الدفاع عن البرامج التنموية أو التفاني لخدمة مصلحة الوطن والشعب.

ولا أدل على ذلك من انفجار فضائح الفساد والإفساد وهدر المال العام والاختلاسات التي تطايرت شظاياها  هنا وهناك وتنظر في ملفاتها المحاكم المختلفة والمجالس الجهوية للحسابات في حق بعض رؤساء الجماعات المحلية بالإضافة إلى الأساليب العشوائية والطرق الملتوية التي تدار بها شؤون الكثير من المجالس البلدية والقروية.

وعلى مستوى المجلس النيابي هناك نقص في المردودية في ميادين التشريع والمراقبة والمحاسبة وحضور باهت مادي ومعنوي لنواب الأمة الذين يفتقرون في الإجمال إلى الكفاءات والتجربة السياسية والاقتصادية والمالية  والمحدودة الخبرة في آليات تدبير الشأن العام

وبالفعل تم التراجع عن نمط الاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة ليحل محله نمط  الاقتراع اللائحي لانتخاب أعضاء مجلس النواب ابتداء من 2002  والمجالس الحضرية والقروية في التجمعات السكانية التي يتجاوز عدد سكانها 25 ألف نسمة سنة 2003 و35 ألف نسمة سنة 2009

ومع الأسف ورغم إقرار هذا النظام المتطور من الأنظمة الانتخابية لم تتغير النتائج من حيث نوعية المنتخبين وبقيت قبة مجلس النواب ودور الجماعات القروية وقصور البلديات على حالها إذ مكثت وتأبدت نفس الوجوه والكائنات الانتخابية تصول وتجول في مواقع اتخاذ وصنع القرارات الحاسمة  بفعل التحكم في خيوط العمليات الانتخابية وتأكيد احتلالها للمواقع الحساسة في مختلف المجالس التمثيلية المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية.

وتكرست نفس قواعد اللعب في الانتخابات سواء بالنمط الأحادي في دورة واحدة أو النمط اللائحي بجعلها مناسبة لسوق نخاسة للبيع والشراء في الذمم والأصوات وإثبات الذوات بشخصنة المنافسة بين لائحة فلان ولائحة علان بصرف النظر عن الرمز الحزبي لهذه اللائحة أو تلك بدلا من جعل الانتخابات مناسبة للمنافسة السياسية بين الأفكار والبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لربح رهان التنمية.

إن نمط الاقتراع باللائحة لم يحد من الفساد والإفساد الانتخابي وكانت نتائجه محدودة في ضمان ديمقراطية تمثيلية سليمة لعدة أسباب ومنها على الخصوص تطويع هذا النمط وتحويله إلى نمط شبيه بالنمط الأحادي الاسمي بفعل التقليص من حجم الدوائر الانتخابية في التشريعيات لتجمع مقعدين إلى خمسة مقاعد  في اللائحة  وبالاقتصار على تطبيقه في أقل من مائة جماعة في الانتخابات المحلية.

  وللخروج من هذه الوضعية التي لا تشرف المؤسسات التمثيلية أضحى من الضروري إعادة النظر ومراجعة مدونة الانتخابات في شقها المتعلق بنظام الاقتراع

بالنسبة للجماعات البلدية والقروية والدواءر التشريعية المحلية بإقرار نمط  الاقتراع الأحادي الاسمي في دورتين و الفوز للمرشح الحائز على أكثر من 50 في المائة في الدور الأول وإذا تعذر ذلك تقتصر المنافسة في الدور الثاني على المرشحين الأولين بعد أسبوع أو أسبوعين من الدور الأول للتمكن من تكوين تحالفات  لاختيار النخب المحلية وهذا النمط يعتمد على سياسة القرب لاختيار ابن الحي في المجالس الترابية او ابن القرية او المدينة لأن التجربة السابقة كانت تفرز لوائح من أحياء أخرى مدن اخرى لا يعرفها الناخب مما ينفره من صناديق الاقتراع كما أن تجربة النمط اللائحي لا تفرز تعبيرات سياسية بقدر ما تفرز مستشارين آخر ما يضعون في حسابهم  هو اللون السياسي. إن تسييس الانتخابات لا يمكن ان يتم بالضرورة بالنمط

 اللائحي بالقدر الذي يمكن \ان يمر به بنمط الأحادي الاسمي لأن الجماعة محتاجة إلى منتخبين يخدمون الساكنة في الميدان أكثر من البرامج الانتخابية التي لا يمكن أن تكون إلا متشابهة في العمل على تقديم خدمات للمواطنين في البنية التحتية والطرق والحدائق والمرافق الاجتماعية….

وسيساهم هذا الأسلوب بالنسبة للجماعات القروية والبلدية في تصالح المواطنين مع صناديق الاقتراع لأن المنتخب  سيكون قريبا منهم فهو ابن حيهم ودوارهم وهو في تواصل معهم في كل وقت وحين للإنصات إليهم وتقديم الخدمات إليهم (انفجار واد حار أو خصاص في الإنارة أو حل مشاكل جمع الأزبال والطرق المحفرة والعناية بالحدائق والمرافق …) ولأننا في الجماعات محتاجون إلى رجال ونساء دائما رهن إشارة المواطنين وفي خدمتهم أكثر من برامج سياسية تبقى حبرا على  ورق  مع الإشارة إلى أن هذا النمط ممكن أن تخترقه بعض الكائنات الانتخابية الانتهازية والوصولية والمغرضة المستعدة للدفع في الدور الأول ولكنها تتعثر في الدور الثاني للفوز بمقعد في مجلس الجماعة بالنظر للتحالفات التي تتكون قبل إجراء الدور الثاني من العملية الانتخابية

.وبالنسبة للتشريعيات فإن الغرض من النمط اللائحي في تسييس العملية الانتخابية لم يتم تحقيقه منذ العمل به سنة 2002 بل ساهم في العزوف الانتخابي لأن الناخبين لا يعرفون أسماء المرشحين في اللائحة وعليه فإن نمط الاقتراع الأحادي الاسمي في دورتين هو الأنسب لأنه سيساهم في مصالحة المواطنين مع صناديق الاقتراع ومحاربة أصحاب الشكارة الذين كانوا يتصدرون لوائح المرشحين كما يساهم في فرز أغلبية برلمانية مريحة تحمي البلاد وتجنبها من جميع أشكال البلوكاج وتسمح بتكوين حكومة أغلبية من حزبين أو ثلاثة على أكثر تقدير وتعقلن المشهد السياسي بتحالفات موضوعية بين الأحزاب قبل إجراء الدور الثاني من الاقتراع وأهم من كل ذلك هو استفاقة الأحزاب السياسية من غفوتها وسباتها للقيام بدورها التأطيري للمواطنين وانصهار مناضليها في المجتمع وتجذرهم في التربة الوطنية وتشبعهم باحتياجات الساكنة بعيدا عن كل ريع سياسي على شكل قوائم ولوائح من مناضلين مغمورين ومجهولين حتى من جيرانهم.

ولاستقطاب النساء والشباب للعمل السياسي يشترط غلى الأحزاب السياسية ان يمثل المترشحات 20 في المائة من مجموع مرشحيه و20 في المائة من الشباب أقل من 35 سنة  ذكورا وإناثا  من مجموع الترشيحات سواء في المحليات أو الجهويات أو التشريعيات والا الغيت تلك الترشيحات وهكذا يتم إدماج النساء والشباب  في العمل السياسي والحزبي بخوض الحملة في المدن والبادية والالتقاء بالمواطنين والتعرف على مشاكلهم بدلا من الاستفادة من كوطا شبابية أو نسائية بتزكية من  أحزاب بمقاييس عائلية وزبونية او محسوبية بعيدة عن مقياس الكفاءة ليبتلي البرلمان بنساء وشباب لا تربطهم بالنضال والسياسة والحزب والخبرة والكفاءة إلا الخير والإحسان.

إن تسييس المواطنين لن يأتي بالبرامج الانتخابية المروجة للوائح مرشحي حزب ما بقدر ما يأتي من النضالات اليومية والتجمعات الدورية وأشكال الاحتجاج أو التأييد المختلفة التي تنظمها الأحزاب وفي هذا الإطار من الضروري مراجعة قانون الأحزاب وحل الأحزاب الغائبة  والتي تختفي  ولا يظهر لها  أثر  إلا بمناسبة الانتخابات لتوزيع التزكيات أو لا تجدد مكاتبها أو لا تحترم نظامها الداخلي أو قانونها الأساسي في دورية مؤتمراتها و انتظام مجالسها الوطنية ومن الضروري التأكيد على الأحزاب في حسن اختيار المرشحين ومواكبتهم في مهامهم التشريعية والرقابية والاستطلاعية والدبلوماسية ليقوم مجلس النواب بدوره أفي مغرب ينعم بالاستقرار والرفاه والكرامة والعدالة الاجتماعية.

وقد يقول قائل بأن نمط الاقتراع الآحادي الاسمي في دورتين قد يرهق الناخبين ويمنعهم من الذهاب إلى مكاتب التصويت مرتين في مدة محددة أسبوع أو أسبوعين والدراسات في هذا الموضوع أكدت أن الإقبال على صناديق التصويت يكون كثيفا في الدور الثاني بفعل حماسة وحرارة الحملة الانتخابية بين مرشحين اثنين والتركيز عليهما في الاختيار كما يقول قائل بأن هذا النمط يكلف الدولة الكثير من الإمكانيات المالية والبشرية وهذا صحيح ولكن لابد من أداء الضريبة على بناء الديمقراطية.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *