ملاحظات مؤسسة في سياسة اللاسياسة

ملاحظات مؤسسة في سياسة اللاسياسة
شارك

الأستاذ سعيد أولعنزي تاشفين

      ممارسة السياسة يسترعي لزوما أن يتسلح الممارس بترسانة من القناعات أكبر بكثير من توصيفة  » المصلحة العامة « . و من شروط الممارسة الواعية للسياسة، التي تتجاوز الحس المكتسب نحو الوعي العقلاني المتمكن، ضرورة الإيمان بالأيديولوجيا، كمنظومة قيم و خلفيات فكرية تؤطر كل التصورات، و بالخط المذهبي للحزب، الذي يتشكل كمدخل جوهري لولوج الحداثة السياسية، قبل الهرولة إلى شخصنة الفهم على قاعدة الانتقال من فكرة المواطنة نحو فكرة  » الطائفية  » .      فالمواطنة تموقع رمزي، في سياقات الانتماء إلى المشترك الخاضع للتعاقد ( جون لوك و توماس هوبز و جون جاك روسو )، بيد أن الطائفية هي الولاء للفرد مهما انحرف من أقصى اليمين نحو أقصى اليسار دون بوصلة فكرية. هذا الانحراف يشرعن الشخصنة باسم المصلحة العامة و التغيير المشروع فعلا لا سياسيا، و لا يجوز نهائيا الإيمان بالفرد على حساب الوحدة العضوية للحزب سوى من داخل التأويل الفيودالي للتدافع الذي يجعل الإيمان بالفرد المقاتل مافيا للدفاع عن مصلحة الأرض ( الأرض و ليس التراب ). فالشخص انتماء تقليداني مغلق يتجلى من خلال محددات معيارية مثل  » ولد البلاد  » ، « نفس الفخدة « ،  » وحدة التاريخ « ،  » التضامن العضوي « ،  » التضامن الآلي  »   » المشترك النفسي  » ، بينما المواطن انتماء إلى معيارية أخرى تضمنها دمقرطة الفضاء العمومي كأيديولوجيا للحداثة عبر تأويل مؤسساتي للتدافع. ومن تمظهرات إفلاس السياسة ادعاء الدفاع عن المصلحة كحرب مضمرة معلنة على الأيديولوجيا؛ مع العلم أن بعض الأحزاب المستقطبة لوهم المصلحة كانت ضد المصلحة لعقود قبل أن يحط فيها  » المناضل  » رحاله متمردا على التاريخ والأيديولوجيا والمواطنة، لصالح شرعنة التموقع الطائفي باسم هولامية المصلحة المشروعة فعلا وغير المقبولة سياسيا. و هنا، بمنطق الخلف، يتم اغتيال السياسة ودحر الحزبية بسلاح التغيير والمصلحة بمنطق  » فوضوي  » غير مؤسساتي من مدخل الحزبية السياسية.

    إن ممارسة السياسة لا يتاح عبر البحث عن موطئ قدم في لعبة الانتماء الى حزب معين بمنطق اغتيال الحزبية والسياسة بمبرر  » المهم هو الشخص  » إذ بهذا المنطق تتحقق العودة البسيكولوجية إلى محددات البنية التقليدية التي تسخر توصيفات مثل  » الله اعمرها دار « ،  » ولد الناس  »   » بنت الناس « ، رجل طيب « ،  » عشنا معه  » . و كلها تمظهرات التأويل الفيودالي للانتماء على نقيض فكرة المواطنة التي تضمن التعاقد على فكر معياري مؤسساتي ( قيم عقلانية / مواقف منطقية / تصورات قانونية، نسق أيديولوجي، بناء حزبي .. )، بدل التماهي مع الفرد ( تضامن عضوي انقسامي ) على أشلاء السياسة كفعل مدني قائم منهجيا على لبنة التعاقد ( روسو تحديدا )  لخدمة المشترك الإنساني الذي تأويه المدينة / البوليس ( أرسطو ). وأؤكد أن الإيمان بالفرد من لدن الجماعة / الطائفة = بنية تقليدانية مغلقة، يعادي فكرة المدينة التي تتأسس على روح المواطنة كشكل مباشر للتعاقد بين المواطنين فوق مجال طبيعي معين / التراب الضامن للمواطنة كشكل عقلاني لتجويد المشترك عبر ممارسة السياسة . و عليه فإن الإيمان بالفرد وفق المحددات التقليدية الملازمة للبنية يخدش نبل السياسة و يطعن في مشروعيتها كممارسة مواطناتية ( المدينة = السيتي / المواطنة = السيتيزن شيب )؛ حتى أنه إتيمولوجيا تظهر دقة الروابط بين المدينة كتراب عقلاني والمواطنة كنسق انتمائي قائم على منطق الحق الطبيعي الذي صار قاعدة قانونية ضابطة لحسن سير المشترك = المواطناتية = الشعب وليس القبيلة أو العشيرة .

    و ماذا إذن و الجماعة عندنا تتبع فلانا وهو بموقع اليسار، ثم تتبعه ( الإتباع / التبعية ) وهو بموقع اليمين؛ ولا معنى للموقع هنا = الأيديولوجيا / الخط المذهبي / الشرعية والمشروعية النضالية .. في استنتاج مواقف. فالفرد هنا، وفق محددات هذا الهابيتوس، هو الهوس الجمعي الذي يضمنه الزعيم الفرد أو الفرد الزعيم باسم  الجماعة / الطائفة / القبيلة / العائلة / العشيرة.. الذي يخطط للظفر بموقع رمزي في لعبة المواطناتية التي تأتي هنا كتوصيفة لاشعورية ( الميزاج الجمعي / الذهنية الجمعية والمخيال العام و ليس العقلية ) بما يخفي الروح الفيودالية المعادية للمواطنة كتعبير معياري للمدينة كتراب عقلاني يؤسس على التعاقد . ولكل هذا تتناسل التوصيفات الشعبوية ( نزعات الجمهور إلى دعم الزعيم ) التي تفضح نكوصية التأويل الأنتروبولوجي للمشترك مهما عظمت شكلا خطابات التحديث . ف  » المناضل  » هنا هو الفارس المغوار الذي سيعلي من شأن القبيلة / العشيرة بين الأمم، فهو  » الابن ديالنا « ،  » تربية يدنا « ،  » وحدة الدم « ،  » الجد المشترك  » ،  » الله اعمرها خيمة  » ،  » خيرنا يمشي لغيرنا « ،  » كل أشكال التناسل الانقسامي. وكلها تجليات الوهم الذي يحاول اقتحام مجال الحداثة / المواطنة + المدينة بأدوات التقليد .

    و لكل هذا يستعصي القول أن ممارسة السياسة عندنا، الهنا والآن، تتم بعقل حزبي عملي منفلت عن تداعيات الفيودالية مبنية اجرائية معادية التأويل المؤسساتي للسياسة. بالأحرى كلها محاولات مضمرة تتحايل لإيجاد موطئ قدم براغماتيا في معترك المصلحة من مدخل الفرد المناقض للمواطن الذي هو فكرة معيارية مجردة تتجلى فقط من خلال أجرأة الحقوق التي تضمن سيولة ظاهرة المواطنة على تراب عقلاني هو المدينة .

   و ختاما يتعمق المأزق عندنا و نحن أمام أحزاب تحارب ولوج التغيير، حيث إن المتاح فقط هو التمرد على الحزبية؛ وهو ما ينتهي من جهة الأحزاب و من جهة المؤمنين بالسياسة دون الحزبية إلى شخصنة اللعبة على أشلاء السياسة .

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *