المحرقة الجزائرية الاقتصادية: تصدير الأزمة الفاشل

المحرقة الجزائرية الاقتصادية: تصدير الأزمة الفاشل
شارك

الدكتور سيف الدين شائق

تتخبط الجارة الجزائرية، منذ سنين في أزمة اقتصادية واجتماعية، عززها الزلزال السياسي الذي حدث مؤخرا، وألقى بظلاله على الوضعية العامة للبلاد. فآثرت الجارة إيجاد إستراتيجية عقلانية، لإيجاد حلول تساعد على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب الجزائري الشقيق الذي نتقاسم معه أكثر بكثير ما يحاول الجنرالات تقسيمه.

مؤخرا، شبت العديد من الحرائق في الغابات الجزائرية، كامتداد للمحرقة الاقتصادية والاجتماعية الذي تريد الدبلوماسية الجزائرية إطفائها بسراب العداء والمؤامرة، مع المملكة المغربية التي تسير على خطى ثابتة ومحسوبة، بل وإنها مدت بيد كريم قوي لمساعدة الجار، لترسيخ قيم الإخاء الإسلامية والعربية وقيم الجوار التي أوصى عليها أفضل الخلق عليه الصلاة وأفضل السلام.

لهذا، وجب تسليط الضوء على حيثيات الحريق الداخلي الحقيقي الممتد لسنوات في هيكلة الدولة الجزائرية والتي يصعب إخمادها في ضل التعنت كسبب لحالة مراهقة سياسية وتسيير اقتصادي عقيم، وتفسير العلاقة الاقتصادية المنعدمة بين البلدين والتي لن تسمن ولن تغني من جوع لبلد متنوع اقتصاديا كالمغرب بعد المبادرة المتهورة للجزائر بقطع العلاقات الديبلوماسية.

أزمة أسعار البترول

أدى الانخفاض المذهل في أسعار النفط والغاز منذ الذروة التي حصلت في عام 2014 إلى خفض دخل البلاد بنحو الثلث في سبع سنوات. من المسلم به أنه كان هناك ارتفاع طفيف في سعر الذهب الأسود لمدة ثلاثة أشهر، لكن الهبوط الحاد في أثمنة البترول العام الماضي بسبب الوباء، أعاد صادرات البلاد إلى ما يعادل 26.4 مليار دولار مقابل 38 مليار في عام 2019. نتيجة لذلك، تقلص النشاط الاقتصادي بنسبة 6٪ في عام 2020، وبعد انتعاش متواضع، من المتوقع نمو 2.9٪ هذا العام و2، 7٪ العام المقبل، بحسب صندوق النقد الدولي. لذلك، لا يتوقع أن يعود الاقتصاد الجزائري إلى مستوى ما قبل الوباء حتى نهاية عام 2022.

عجز كبير في المدفوعات

قبل كل شيء، وبسبب الاحتياجات الكبيرة في المنتجات المستوردة لهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة، وخاصة المواد الغذائية، وضعف الاستثمارات الأجنبية، التي لا يزال يثبطها الفساد والإطار القانوني الوطني، لا يزال عجز ميزان المدفوعات مرتفعا. لقد تجاوز 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 وسيظل يقترب من 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. عجز يستنزف احتياطيات النقد الأجنبي، التي لم تعد تتجاوز 46 مليار دولار، نصف المستوى في نهاية عام 2017. هذا الواقع المالي يبطئ عجلة الاقتصاد ولا يكفي للحد من البطالة، التي تمس رسميا 15 ٪ من السكان العاملين، والشباب بشكل غير متناسب. هذه القضية مثيرة للقلق بشكل خاص في بلد تتزايد فيه معدلات الخصوبة، لدرجة أن لديها مليون شاب إضافي سنويًا منذ عام 2015.

نتيجة لذلك، تتجه الجزائر مباشرة نحو أزمة عملة. للتوضيح، إن انخفاض الدينار الجزائري من شأنه أن يجعل المنتجات المستوردة أغلى ثمناً، وبالتالي سيؤدي إلى ارتفاع التضخم، الذي بدأ بالفعل في الارتفاع على مستوى العالم. في حين أن أسعار المنتجات الرئيسية مثل الوقود والقمح والزيت حساسة للسلم الاجتماعي.

أدت الإضرابات والبطالة والفقر وارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية الأساسية في الجزائر، بالإضافة إلى جبهة اجتماعية مضطربة الآن إلى أزمة اقتصادية عميقة ولدت من انخفاض ريع النفط وتفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا، ويقترن ذلك بالمأزق السياسي الذي استمر منذ الانتفاضة الشعبية للحراك قبل عامين. في الحقيقة، الوضع الاقتصادي الجزائري يزداد سوءا يوما بعد يوم ويؤدي إلى إفقار شرائح كاملة من السكان وارتفاع معدلات البطالة وباختصار جميع المؤشرات الاقتصادية في « المنطقة الحمراء ».

التبادلات التجارية العقيمة

في الواقع، تعتبر التجارة بين المغرب والجزائر هزيلة مقارنة بحجم اقتصاداتها وتستمر في التراجع. وهكذا، وبحسب أرقام مكتب الصرف، بلغت صادرات المغرب إلى الجزائر 1.27 مليار درهم (مليار درهم) في 2020، أو 0.48٪ من حجم صادرات المملكة. هذا الرقم في تناقص مستمر منذ أن انتقل من 1.95 مليار درهم في 2017 إلى 1.63 مليار درهم في 2018، ثم إلى 1.53 مليار درهم في 2019 وأخيراً إلى 1.27 مليار في 2020. وبين 2010 و2020، تراجعت التجارة بنسبة 4.1٪ على أساس معدل سنوي حيث وصلت واردات المغرب من الجزائر: 4.11 مليار درهم عام 2020.

في الاتجاه الآخر، تظهر الأرقام الصادرة عن مكتب الصرف أن حجم واردات المغرب من الجزائر أعلى بكثير من الصادرات. وفي عام 2020، بلغ هذا الرقم 4.11 مليار درهم (0.97٪ من حجم الواردات). ما زلنا نرى نفس الاتجاه التنازلي كما رأينا في أرقام الصادرات. في الواقع، تراجعت الواردات إلى 4.95 مليار درهم في 2019 من 6.96 مليار درهم في 2018، بانخفاض نسبته 28.9٪، ثم 4.11 مليار درهم في 2020.

يعاني المغرب من عجز في تجارته مع الجزائر. إذا قررت الجزائر مهاجمة المغرب اقتصادياً، فمن الواضح أنه ستكون هناك إجابة. وفي النهاية، ستكون الجزائر هي الخاسر في القضية، بالنظر إلى هيكل التجارة بين بلدينا. كما أن المنتجات التي يشتريها المغرب من الجزائر ليست استراتيجية للغاية. وغالبية الواردة تتمثل في الأساس في الغاز والنفط والكهرباء، والمغرب لديه مصادر أخرى مختلفة لتزويد كل هذه المنتجات. بالإضافة إلى ذلك، بالنسبة للشركات المغربية، لا يمثل السوق الجزائري أي شيء في تدفق أعمالهم. لذلك، لن يكون هناك أي تأثير إذا قررت الجزائر في أي وقت إيقاف وارداتها أو عقودها مع المغرب.

في الواقع، ووفقًا لأرقام مكتب الصرف، مثلت إمدادات الغاز البترولي والمحروقات الأخرى 90.5٪ من إجمالي واردات المملكة من الجزائر خلال الفترة 2010-2020. في عام 2020، تألفت واردات المغرب من الجزائر من 46.2٪ من البروبان والبيوتان المسال (1.9 مليار درهم) و34.4٪ من الغاز الطبيعي (1.4 مليار درهم). أما الباقي، وهو أقل من 20٪ من الواردات، فهو عبارة عن تمور وأواني زجاجية ومواد كيميائية.

تستمر المحرقة الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر في زعزعة استقرار الدولة الجارة وتنذر بانهيار على جميع الأصعدة في ظل التصعيد الأخير مع المملكة المغربية، التي تستمر في إلقاء الدرس تلو الآخر لجنرالات الجزائر عن كيفية التسيير الحكيم وتسطير طريق التطور والنهضة المتكاملة. هذا الأمر، يزيد من سعير الشقيقة التي تحاول تصدير أزماتها لبلادنا وغض نظر الشعب لجزائري عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشتعل في البيت الجزائري. لكن البرود المغربي كريح الربيع، باردة على من هم نقية نفوسهم وحارقة على ذوي النفوس المريضة.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *