وجهة نظر: في الملكية البرلمانية

وجهة نظر: في الملكية البرلمانية
شارك

حميد المُعْطَى

الملكية البرلمانية  نظام حكم  يكون فيه الملك ذا صلاحيات صورية وتكون كامل السلطة في يد رئيس الحكومة المنتخب من قبل البرلمان والملكية البرلمانية تنقسم لنوعين هما ملكية برلمانية كاملة وملكية شبه برلمانية ومن الدول التي تعمل بالنظام الملكي شبه البرلماني هي بلجيكا و المملكة المتحدة و هولندا النرويج و إسبانيا و السويد اما النظام الملكي البرلماني الكامل نظام  مثل اليابان وأيضآ في العصور القديمة كانت هناك دول تستخدم نظام برلماني ملكي كامل مثل إمبراطورية قرطاج .

والملكية البرلمانية  تتميز بوجود عاهل سواء أكان ملكا، أو إمبراطورا، أو قيصرا، على قمة الهرم السياسي للبلاد دون أن يكون ضالعا بشكل واسع في صياغة  وتنفيذ القرارات السياسية التي هي من شأنِ حكومة منبثقة عن مجالس تمثيلية (برلمان)، يتم انتخابها عبر الاقتراع العام المباشر، ومسؤولة أمامها.

ففي الملكية البرلمانية يسود العاهل ولا يحكم، ويكون دور العاهل رمزيا وتمثيليا رغم أنَّه هو من يُكلف رئيس الحكومة ويُعين الوزراء، لكنَّ ذلك لا يتعدى نطاق الرمزية والتقدير الذي يحظى به بوصفه ممثلا للدولة، وواحدا من أهم رموز السيادة الوطنية.

في المغرب ينص الفصل الأول من دستور 2011 على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي. التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة.

ويحدد الفصلان 41 و42 شكل النظام الملكي في المغرب، بأن « الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية »، كما أنه « رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي »، فضلاً عن كونه « ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة ».

ومن خلال  الفصول المشار إليها  يتبين أن المغرب يجمع كل الميزات والإيجابيات لنظم الحكم الديمقراطية الحديثة فأقصى ما يمكن أن يحلم به أي شعب هو أن يعيش في ظل دولة ديمقراطية تكون فيه السيادة للشعب وتخضع جميع مؤسساته للدستور وتسن جميع القوانين من البرلمان ويتضامن فيه الشعب في السراء والضراء.

من حيث النصوص يرفل المغرب في نظام مثالي يحسد عليه ولكن من حيث الواقع فكل مميزات ومقومات الدولة الحديثة ناقصة إن لم نقل منعدمة. إن الديمقراطية في المغرب تشكو من اختلالات في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي بل هناك تراجعات حتى في الجانب الحقوقي والسياسي والبرلمان مشكل بطريقة لا تعكس تمثيلية حقيقية للمواطنين والدستور يبقى حبرا على ورق في بعض الممارسات التقليدانية الموروثة من العصور الوسطى أما التضامن فهو الغائب المغيب في السياسات العمومية وتوزيع الثروات لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. مما يعني، أننا نعيش في ظل ملكية تنفيذية يسود فيها الملك ويحكم.

ومن ثمة تتعالى الأصوات من حين لآخر للمطالبة بإقرار ملكية برلمانية من بعض التيارات السياسية اليسارية وخاصة خلال حراك ال20 من فبراير 2011 والدعوة إلى النأي عن الملكية التنفيذية التي تتحكّم في مفاصل الحياة السياسية  والاقتصادية، ومنح السلطة التنفيذية (الحكومة) العديد من الصلاحيات، على أن تبقى الملكية معنية بالإشراف على القضايا الاستراتيجية من جيش وأمن ومؤسسات محورية.

وتعلن جماعة « العدل والإحسان » صراحة أنها ترفض الملكية التنفيذية، باعتبار أن هذه « المؤسسة الملكية في المغرب تحتكر جل وأهم السلطات، من دون إمكانية لأية مساءلة أو محاسبة، مقابل منتخَبين يوضعون في الواجهة من دون قدرة حقيقية على ممارسة السلط

في المقابل، فإن « فدرالية اليسار »، المشكّلة من أحزاب يسارية شاركت في انتخابات البرلمان لعام 2016، تنادي بإقرار الملكية البرلمانية كنظام أفضل من الراهن.

فيما حزب « النهج » اليساري الراديكالي، يرى أن حركة 20 فبراير، التي شارك فيها بقوة أيام « الربيع العربي »، كانت فرصة مهمة لإصلاح الملكية في المغرب « للانتقال من الملكية التنفيذية إلى الملكية البرلمانية مما يعني، في العمق، التقدّم في إقرار ديمقراطية حقيقية ».

وترى بعض الأحزاب السياسية أن  » الوصول إلى الملكية البرلمانية يتطلب شرطين أساسيين، الأول هو أحزاب سياسية قوية ومسؤولة تمتلك كفاءات وقادرة على تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام ».

أما الشرط الثاني، فهو وجود « مجتمع مدني مسؤول عن اختياراته، فهو الذي يمد الأحزاب بالأطر والكفاءات، ويشكل الكتلة الناخبة. وهذا يعني أن هذه الأحزاب تؤجل هذه القضية في أجندتها وجداول أعمالها ولا تضعها في مقدمة اهتماماتها وتنتظر توفر المغرب على برلمان قوي من أحزاب قوية حتى تكون الملكية البرلمانية فعالة مخافة أن توضع الأمانة في غير محلها ويتولى مصير الوطن والشعب برلمانيون من مستوى البرلمان الحالي المفتقد للمبادرات الجريئة والكفاءات والنخب القادرة على سن وتنفيذ سياسات عمومية ذات بعد اجتماعي والقادرة على إخراج البلاد من التخلف. ».

و تجد مثل هذه المبررات صداها عند المحافظين وحتى عند بعض المواطنين الذين لن يقبلوا بنظام ملكية برلمانية منبثقة من مجلس تشريعي بهذا المستوى الذي يرونه فيه اليوم وما يمكن أن تنبثق عنه  من حكومة بمستوى وزراء  وأحزاب اليوم.

أكثر من ذلك  يقر بعض المحللين  أن المغرب ملكية برلمانية فعلا بدءا من دستور 2011  وبمقتضى الفصل الأول منه  وإن كانت لا تشبه الملكيات البرلمانية المتعارف عليها مثل بريطانيا وإسبانيا، التي يسود فيها الملك ولا يحكم، إلا أن طبيعة المجتمع المغربي وخصوصية البلد تقتضي ملكا يسود ويحكم بالإضافة إلى تعددية سياسية وحكومة لها صلاحيات معقولة.

ويرد عليهم آخرون أن النظام في المغرب هو نظام ملكي خالص استبدادي  شكلا ومضمونا، وما الأحزاب السياسية سوى طلاء ديمقراطي لتصدير صورة حديثة خارج البلاد.

ويقول الباحث الفرنسي ريمي لوفو إن للمغرب دستوريْن، الأول مكتوب والثاني دستور ضمني، يفهم من داخل الثقافة السياسية السائدة في المغرب، حيث الأول وإن كان يعطي للملك صلاحيات واسعة فهي محددة وبالتالي محدودة، بينما الدستور الضمني يعطيه صلاحيات لا حصر لها.

في الحقيقة، يستعصي تصنيف النظام المغربي بواسطة المعايير السياسية الحديثة، إذ هو يجمع بين التراث الإسلامي (إمارة المؤمنين) والحكم السلطاني (الملك بالوراثة) والديمقراطيات الغربية (التعددية السياسية)، ما خلق سجالا دستوريا.

وبين هذا وذاك يبقى حضور المؤسسة الملكية في المغرب أمرًا واقعا، لا تستطيع أن تتجاوزه أية قوة سياسية أو حراك شعبي إذ رمزية المؤسسة الملكية في المجتمع المغربي جلية، فهي تتحرك وتناور وتتنازل أحيانا دون أن تراوح مكانها على رأس النظام، إنها تجدد آلياتها باستمرار وتتكيف مع الظروف من أجل البقاء والاستمرار، وتستحوذ على مختلف الموارد والنخب، فتخرج في كل مرة تجتاز فيها امتحانا عسيرا – كان آخرها خطاب 9 مارس 2011 بعد الربيع العربي – بقوة أكثر وبشرعية أكثر وبصلابة أكثر.

نعم كل المغاربة يطمحون للعيش في نظام ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم ولكن هل الثقافة المغربية قادرة على استيعاب النظام الجديد وقد عاش قرونا عدة تحت ولاية الملوك والسلاطين. هل المخزن والمنتفعون من ريعه ومكتسباته قادر على التخلي عن الحكم بسهولة لصالح الشعب. وهل النواب البرلمانيون اليوم قادرون وفي مستوى  تحمل مسؤولياتهم في تنصيب حكومة لها من الصلاحيات التنفيذية لفتح أوراش التنمية وتبوئ المغرب المكانة اللائقة به.

إن ما يمكن الطموح إليه في الظروف الراهنة هو ملكية تسود فيها الملك ويحكم بمقدار أي التخلي عن بعض الصلاحيات للحكومة التي تسأل وتحاسب عن جميع السياسات العمومية دون تدخل من الملك الذي يبقى له الحق في الإشراف على الأمن والجيش والسياسة الخارجية  وإمارة المؤمنين أي إقرار نظام ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولكنه يحكم في حدود مقبولة بعيدة عن الاستبداد والتحكم على الأقل في الأمد المتوسط إلى حين تنضج الظروف الذاتية والموضوعية للانتقال إلى ملكية برلمانية كاملة حقيقية مقبولة ومتوافق عليها. وقبل ذلك ومن أجل تحقيق ذلك من الضروري الإسراع بإصلاحات دستورية عميقة ومراجعة مدونة الانتخابات  بدءا من اللوائح الانتخابية  إلى إعلان النتائج مرورا بنمط الاقتراع وضمان مشاركة سياسية قوية في انتخابات سليمة وديمقراطية وشفافة بتوافق مع جميع الفاعلين السياسيين وإشراكهم ومشاركتهم …ومن أجل ذلك فليتنافس المتنافسون.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *