أساس المسؤولية الجنائية في القانون المغربي وموانع المسؤولية ومانع العقاب
المنظار/ توصلنا من الأستاذ توفيق مفيد بمبحث مطول حول (أساس المسؤولية الجنائية في القانون المغربي وموانع المسؤولية ومانع العقاب)
ونظرا لطول المادة سنعمل على إصدارها عبر أساس المسؤولية الجنائية في القانون المغربي وموانع المسؤولية ومانع العقاب مجموعة من الأجزاء..
توفيق مفيد، باحث في العلوم القانونية.
الجزء الأول
- المطلب الأول الجريمة كمصدر للمسؤولية الجنائية
إذا كان وقع الاتفاق فقهيا على أن الجريمة هي مصدر المسؤولية الجنائية فان تحديد العناصر المعنية المطلوبة في الجريمة كأساس للمسؤولية الجنائية محل خلاف في الفقه فهناك من يذهب إلى إخراج الجانب المعنوي من عناصر الجريمة ووضعه بين أركان المسؤولية الجنائية مما يجعل تخلفه لا يؤثر على قيام الجريمة وان كان يؤدي إلى انعدام المسؤولية عنها وذلك بهدف التوسع في نظرية الجريمة بحيث يكفي توافر وجود الجريمة من الناحية القانونية صدور تصرف من شأنه النيل من المصلحة محل الحماية أو تعريضها للخطر دونما اعتبار للركن المعنوي وفرق البعض بين شروط تجريم الفعل وشروط تطبيق العقوبة فإذا كانت الجريمة تعني إتيان الأعمال التي حرمها القانون فان المسؤولية هي لالتزام بتحمل نتيجة هذه الأفعال لذا فان توفر الأهلية الجنائية ليس شرطا لقيام الجريمة وإنما يعتبر ركنا للمسؤولية الجنائية والأخذ بهذه التفرقة يجعل من الممكن التوسع في التجريم بحيث يستطيع المشرع أن يحفظ بكل ما يهدد المصلحة الاقتصادية بالخطر أو الضرر بمجرد معايرته في النموذج المادي والمعنوي المتطلب كوقوع الجريمة فبالنسبة للمدرسة التقليدية نجدها لا تكفي بنسبة الفعل ماديا إلى الفرد ونما تشترط زيادة على ذلك أن يكون متمتعا بالتمييز وحرية الاختيار وهو ما يعبر عنه بالإسناد المعنوي فيكون أساس المسؤولية لديها هو « الخطأ لا لأن من يميز بين الخير والشر يعتبر مخطئا عندما يختار الشر كهدف له.
وقد نادت المدرسة الوضعية بأساس جديد للمسؤولية تبعا لفلسفتها بأن الإنسان مجبر في تصرفاته وان ما نسميه بالإدراك والإرادة مجرد خيال لا أساس له في الواقع فعندما يرتكب الشخص فعلا ضارا بالمجتمع فانه يسال إلا انه يسال مسؤولية اجتماعية وحماية المجتمع ودفع كل ضرر عنه هي الأساس القانوني وليس مسؤولية جنائية لأنه لم يرتكب جرما
هذا بالنسبة للفقه أما بالنسبة للتشريع فالقانون المغربي أخد بمبدأ المدرسة التقليدية الجديدة مع تأثر محدود بالمدرسة الوضعية كما يتضح ذلك من الفصل 132 ومضمونه أن كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن الجرائم التي يرتكبها والجنايات والجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها ومحاولات الجنايات ومحاولات بعض الجنح ضمن الشروط المقررة في القانون لعقاب عليها ولا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي بنص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك
- المطلب الثاني مسؤولية الشخص المعنوي
يذهب بعض الفقه إلى معارضة مسؤولية الشخص المعنوي بان العقوبات المعروفة في التشريعات الجنائية لا يتصور تطبيقها عليه كالإعدام والحبس مثلا وان الشخص المعنوي وجد لتحقيق غاية معينة ومشروعة ولتحقيق هذه الغاية لا يتطلب الأمر ارتكاب الجريمة ولا يتمتع الأشخاص الاعتبارية بالإرادة إلا في دائرة تنفيذ مهمتها فإذا ارتكبت الجريمة بمناسبة ممارسة نشاطها فان الذي يجرم هو فعل المشرفون عليه لا الشخص المعنوي نفسه فالدولة مثلا لا يمكن أن تتابع جنائيا لان نشاطها لا يتوقف على الإجرام كوسيلة لتحقيق ذلك النشاط وإنما تجرم أفعال أعوانها وموظفيها إلا أن هذه الحجة انهارت أمام التطور الذي اظهر الشخص المعنوي إلى الوجود وكشف عن أنواع جديدة من الجرائم لأنه لايمكن أن يسعى قاصرا عن ابتكار عقوبات مناسبة لها
الفصل الثاني صور المسؤولية الجنائية
- المبحث الاول المسؤولة الناقصة او المخففة
هناك حالات تنحرف فيها القوى الذهنية للفاعل دون حد فقدان التمييز او الاختيار ولكن الى حد تمتنع معه الأهلية الجنائية مما يثير مسالة التكييف القانوني للواقعة غير المشروعة الصادرة من ناقص الاهلية وبالتالي تحديد نوع المسؤولية الجنائية التي يخضع لها هؤلاء فهناك من يرى بان انطواء الارادة على عيب ينتابها لا يمنع من قيام الركن المعنوي للجريمة فنقص الاهلية بسبب نقص الادراك او الاختيار يستتبعه نقص في درجة العمد او الخطأ كأساس لاستحقاق العقاب لذلك فمن العدل لا يسأل الجاني ناقص الاهلية الا مسؤولية مخففة يقدرها المشرع او القاضي بحسب الاحوال وتعتبر المسؤولية التامة وللامسؤولية وتحتل منزلة وسط بينهما
- المطلب الثاني المسؤولية المفترضة
نكون امام المسؤولية المفترضة او المسؤولية الموضوعية ما دام الركن المعنوي للجريمة يفترض وجود قصد جنائي آثم لدى الجاني يأخذ أحد صورتين العمد والخطأ غير العمدي وان يتوافر هذا القصد الجنائي في اللحظة التي يباشر فيها الجاني ارتكابه لتصرف غير مشروع مما يجعل بالإمكان خضوعه للمسؤولية الجنائية والعقاب في الحالات التي يحددها القانون وهناك راي في الفقه وجد ان انتفاء القصد الجنائي الآثم لدى الجاني لا يحول دون قيام المسؤولية الجنائية في بعض الجرائم وذلك لان الركن المعنوي انما يشترط لنوع معين من الجرائم هي التي تنطوي على الاهمال وعدم التحرر دون الجرائم التهديدية التي ينشاها نظام التجريم القانوني وتطبيقا للراي السابق فإننا لا يمكن مسائلة الجاني في الحالة السابقة مادام هناك وجود لرابطة السببية المادية بين فعله والنتيجة الواقعة طبقا للمسؤولية المفترضة أو الموضوعية كما ان اوضح معالم المسؤولية المفترضة تبدو في حالة الغيبوبة الناشئة عن تناول مواد محددة أو مسكرة