أساس المسؤولية الجنائية في القانون المغربي وموانع المسؤولية ومانع العقاب (الجزء الخامس)
المنظار/ توصلنا من الأستاذ توفيق مفيد بمبحث مطول حول (أساس المسؤولية الجنائية في القانون المغربي وموانع المسؤولية ومانع العقاب)
ونظرا لطول المادة وأهميتها سنعمل على إصدارها من خلال سلسة من الأجزاء
توفيق مفيد، باحث في العلوم القانونية.
ثانيا القوة القاهرة
عبر المشرع المغربي عن القوة القاهرة بالحالة التي يستحيل معها على الفاعل ماديا اجتناب الفعل بسبب خارجي لم يستطع مقاومته بحيث لم يستعمل مصطلح القوة القاهرة ويستعمل احيانا مصطلح « الاكراه المادي » او » الحادث الفجائي آو « القوة الغالبة » بدل مصطلح القوة القاهرة وكلها تفيد معنى واحد هو ان الشخص لم يستطع مقاومة السبب الخارجي عنه والذي ألجأه الى ارتكاب الجريمة ومثال ذلك الشخص الذي يستدعي قضائيا لأداء الشهادة لكنه لا يحضر لا لأنه لم يرغب في ادائها ولكن بسبب سقوط الثلوج التي ادت الى قطع المواصلات حيث لا يرتكب اية جريمة لان واقعة قطع الطريق بسبب تساقط الثلوج تشكل بالنسبة اليه قوة قاهرة وهي سبب تبرير وتجدر الملاحظة الى ان المشرع المغربي في الفقرة الثانية من الفصل 124 لم يشر الا لاستحالة الدفع كشرط في القوة القاهرة دون اشتراطه لاستحالة التوفع فيها كما فعل المشرع المدني في الفصل 269 من ق ل ع
المطلب الثالث الدفاع الشرعي
ان فكرة الدفاع الشرعي عرفت لدى اغلب التشريعات الوضعية وقد نص المشرع المغربي الجنائي عليها في الفقرة الاخيرة من الفصل 124 ما يلي » اذا كانت الجريمة قد استلزمتا ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل او غيره او مال غيره بشرط ان يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء » فمن خلال هذه الفقرة يتبين انه لنكون امام حالة دفاع شرعي يجب توافر شروط هي وجود خطر وكونه حالا واقتصار الدفاع على الاعتداء وان يكون الاعتداء على النفس او المال
اولا وجود خطر اعتداء ضد نفس الشخص او غيره او ماله او مال الغير بمعنى ان الدفاع الشرعي يكون ضد اعتداء على النفس او المال أي ضد جريمة اما اذا كان الفعل الذي يتم به التهديد ليس جريمة كمأمور التنفيذ الذي يحجز اموال المحكوم عليه فلا وجود للدفاع الشرعي وكذلك الامر بالنسبة للشرطي الذي يلقي القبض على الجاني والجندي الذي يتولى تنفيذ حكم الاعدام وفق الاجراءات القانونية فلا يمكن مقاومة هؤلاء الاشخاص بحجة الدفاع الشرعي لان الدفاع لا يكون الا ضد المعتدي ومن يستعمل حقا او ينفذ القانون لا يعتبر معتديا الا لنه اذا كان الاعتداء نشأ الحق في الدفاع الشرعي ولو كان المعتدي غير مسؤول جنائيا كالصغير والمجنون ومن يمتنع بعذر معف من المسؤولية ويكفي ان يعتقد المدافع وجود هذا الاعتداء ولو لم يكن موجودا في الواقع بشرط ان يبني اعتقاده على قرائن مقبولة
ثانيا يلتزم ان يكون الخطر حالا أي وشيك الوقوع بحيث لا يكون امام المدافع وقت للالتجاء الى السلطة او حماية نفسه او الضحية من المعتدي بوسيلة اخرى وبما انه لا يكون هناك دفاع شرعي قبل الاعتداء بمدة طويلة كذلك الامر بعد انتهاء الجاني من تنفيذ الجريمة لا بيقى للضحية او غيره حق في الدفاع لأنه يعتبر انتقاما
ثالثا ان يكون فعل الدفع متناسبا مع الاعتداء يجب ان يقتصر الدفاع على القدر الضروري لدفع الاعتداء وهذا الشرط مؤداه ان لا يغالي المدافع فيلحق بالمعتدي اضرار تتجاوز خطر الاعتداء الذي كان مهددا به فمثلا الشروع في الاعتداء على المال لا يناسبه الدفاع بالقتل والمحكمة هي التي تقدر فيما اذا كان هناك تناسب بين فعل الاعتداء وفعل المدافع ومراعاة الظروف المحيطة بكل ذلك
رابعا ضرورة ان يكون الاعتداء منصبا على النفس او على المال ومعنى هذا الدفاع الشرعي لا يتحقق عند رد الاعتداء على الشرف او الاعتبار لان مقتضيات الفصل 124 لا تشمل هذا النوع من الاعتداء الغير المرفق باعتداء مادي على شخص الضحية وهذا بتحقق في الحالتين التاليتين
-1الحالة التي ينعدم فيها الاعتداء المادي نهائيا كالسب والقذف
– 2حالة ممارسة الفعل المادي برضاء المعني بالامر (شرط ان يكون رضاء من يمارس عليه الفعل المادي معتدا به أي تام الإدراك والتمييز) هذا وفد تعرض الفصل 125 قانون جنائي لحالتين للدفاع الشرعي هما التاليتين
أ_القتل او الجرح او الضرب التي يرتكب ليلا لدفع تسلق او كسر حاجز او حائط او مدخل دار او منزل مسكون او ملحقاتهما
ب_ الجريمة التي ترتكب دفاعا عن نفس الفاعل او نفس غيره ضد مرتكب السرقة او النهب بالقوة
مما سبق نستنتج ان الشخص كلما وجد في حالة من الحالات التي أتى بها النص الوارد اعلاه واستعمل أي قدر من القوة في مواجهة العدوان فان على القاضي التسليم بان من رد العدوان كان في حالة دفاع شرعي صحيحة وان على من يدعي العكس ان يثبته
المبحث الثاني اسباب التبرير التي لم يتعرض المشرع في المادة 124
ان اسباب التبرير الواردة في الفصل 124 لم يقصد بها الحصر وانما الاشارة الى اهم هده الاسباب فقط خاصة وان بعض الوقائع التي تعتبر مبررة لافعال مكونة لجريمة من الجرائم ودون ان يكون المشرع قد بررها بعبارة صريحة وذلك كله قياسا على حالات مبررة واردة في القانون
المطلب الاول اسباب التبرير الناجمة عن استعمال الحق
من اشهر اسباب التبرير الناجمة عن استعمال الحق في الفقرات الموالية حق التأديب في الفقرة الاولى وممارسة مهنة الطبيب في فقرة الثانية والحق في ممارسة الالعاب الرياضية في فقرة ثالثة
الفقرة الاولى حق التأديب
من اهم حالات استعمال حق التأديب تأديب الاب والام لأبنائها وتأديب المعلم للتلميذ في المدرسة وتأديب الصانع لمتعلم الحرف وممارسة هدا الحق تقتضي المساس بسلامة جسم المؤدب ولا يعتبر مع ذلك هذا المساس جريمة معاقب عليها جنائيا وانما يعد فعلا مبررا الا ان حق التأديب هدا المخول للإباء ومن في حكمهم على الصغار لا يجوز اللجوء اليه من اجل التقويم والتهذيب أما ان هو تجاوز هذه الغاية واصبح العنف او الاذى الناجم عنه مقصودا لذاته وبعيدا عن المتوخاة منه التي هي التقويم والاصلاح كنا امام اساءة صادرة من المؤدب وهي التعسف في استعماله لهذا الحق مما يوجب مسائلته جنائيا فاذا تجاوز الوالد حدود التأديب البارح حق عليه العقاب المقرر لجريمة الضرب العمد