السعادة
فؤاد الجعيدي
الكثير من الناس يعانون من الشقاء، بات الشقاء يسكن وجوه الناس دون حرج، لم يعد التدين يلطف كثيرا من النفوس، ولكأني بهم يمارسون طقوسا دون تخشع عميق ودون الرضا بالنفس، عدد من الناس يختارون بعناية بذلتهم لأداء الصلاة لكن بقلوب ميتة، وفي علاقتهم بالخالق الواحد الأحد لا يستحضرون الطمأنينة كما ينبغي أن تكون..
في حضرة الواحد الأحد، لا يشكرون نعمه التي لا تعد ولا تحصى، لذلك تراهم لا يتورعون في حماقاتهم لأكل مال السحت، وفي أعماقهم يعيشون ضياعا لا حدود له، ولا يكتمون الغيض.
في القرآن الكريم عشرة بالمائة من نصوصه، اهتمت بعلاقة الإنسان بخالقه، أما ما تبقى من النصوص جاءت حكايات عن أقوام مرت من هذا العالم الأرضي منهم من استبد وطغى وتجبر ونشر الظلم بين الناس، لكن في نهاية المطاف، أتى الله بأقوام أخرى لنشر قيم العدالة والمثل الاجتماعية..
في كل الحضارات الإنسانية عرفت طغاة انتهى بهم المصير ليكونوا فقط عبرة لكن أكثر الناس لا يتعظون لأنهم أشقياء..
الشقاوة قدر الأغبياء والمسألة هنا ليست مرتبطة بدين دون آخر أو بعقيدة دون عقيدة أخرى.
لكن السعادة هي النقيض لكل هذا الجفاء.
رأيت شخصا معاقا، اشترى علبة لبن محلى، كنت أراقبه عن بعد، كان يشرب اللبن المحلى والمنسم بمذاق الرمان، ومع كل جرعة ينفجر ضاحكا ويواصل التلذذ والمتعة بالعلبة الحمراء، كان قمة في قمة الانتشاء والسعادة..
ماذا يلزم الإنسان ليكون سعيدا؟
أن يكون داخل ذاته، بعيدا عن المؤثرات الاجتماعية، التي تجعل منه كائنا استهلاكيا بامتياز، وكائنا غرائزيا يشبه في رغباته السيطرة مثل حيوانات الغابة والاستقواء على الضعفاء.
الأشقياء يختارون فضاءات العزلة، هكذا اكتشفت في مقاهي حيث الفنجان يعادل ثمنه أربعون درهما، لكن الجالسين هنا شاردون لا يتمتعون كما يفعل ذلك الشيخ الذي يأخذ قهوة المساء، من عارضها برصيف الراجلين، على الناس بإبريق مربوط على نار هادئة، يصب له كأسا معطرة بعشوب شعبية ثم يظل يتلذذ بها على في ركن منعزل على المارة من حوله.
السعادة يسرقها منا عالم مجنون يؤثث للفوارق الاجتماعية دون شفقة ولا رحمة، لكن لتكون سعيدا تلك حكاية أخرى..
عشت في بيت بسيط في حضن الوالدة، لم يكن لنا سوى ستر الله، لكن أعظم اللحظات هي حين تحضر لي الوالدة وجبة الفطائر الساخنة من يديها النديتين، رائحة الفطائر لم أجدها بعد رحيل الوالدة، وكنت سعيدا وكنت أكثر سعادة حين أنام في حضنها المشبع برائحة الخزامى والحناء.
اليوم لم تعد السعادة تعني لي المال ولا العلاقات ولا السفر إلى الأماكن البعيد.. السعادة باتت لدي، أن أجد مكانا بالمقهى المعتاد وأراقب الشارع والمارة وجنون الشباب في السياقات وأجساد الفتيات المرحات في قوامهن العفيف وهن كالمزهريات يتطلعن إلى إعادة دورة الحياة بإحياء ليلة عرس والاستقرار مثلما يفعل كل الناس.
إن لم أجد سبيلا لفنجان القهوة في آخر الشهر، أطلق خطوات سياقي للمشي في الشارع، وأمر تحت أشجار النخيل، أبادل الأصدقاء في طريقي التحيات مثلما يفعل الناس، وأشعر بالسعادة.
السعادة ليست مالا ولا إيمانا أعمى، إنها بكل بساطة إدراك للتوازن وقدرة على الرضا على النفس، وقدرة على التفاؤل أكثر بأنه ليس في هذا العالم ما يستحق الغضب.