قُبَيْلَ الغُرُوب

بقلم نور الدين النبهاني

يتذكر أنثاه كلما وضعوا أمامه فنجان قهوة،  لأن القهوة هي الأخرى في نظره أنثى سمراء، كان يشعر بأناقة قهوته حِسا ..وبعطرها سِحرا وبمذاقها عذبا،. كعذب شفتيْ أنثاه كلما انحنى يقبلها..

كانت أنثاه سمراء ..ومزهوة بحروف اسمها التي ترمز إلى السُّمْرة والسَّمَر. لذلك بدونها  لا يحلو له السمر. ولا يزهو في جلسته القمر..

تغيب بضع سويعات فيتحول غيابها إلى فراغ، و يتحول الفراغ إلى قلق.. فيصبح القلق صمتا، وينقلب الصمت إلى دقات مزعجة لساعة كبيرة معلقة على جدار الغرفة. وهو ممدد على السرير، يحارب الوقت والوحدة، باسترجاع الذكريات، ذكريات اللقاءات الأولى، و شريط حياته، في انتظار عودتها.

وحين تعود ، و يراها مُقبلة نحوه مُبتسمة.. كأميرة بثوب أبيض فضفاض أو حمامة تحلق فوق المراعي والمروج ..يفيض شيطان شعره وَحْيا والهاما..

مَنْ كان يصدق على كِبر سنه..ينفضح سره، ويتعرى حبه من ملابسه عِشقا و اشتياقا..

يُخْرجه حبه من وقاره. فينسى أنه تجاوز الستين. مُصِر أن لا يعد عمره كغيره من العشاق بتاريخ ميلاده. محددا في الشهر والسنة. بل بتاريخ حبه لأنثاه. لحظةً بلحظةٍ .

حبه نبتة هوى بأرض عشق تحيى بالإحساس.. وتنتعش بالاهتمام ..ولا مكان لِتِعْدّاد السنين كلما تعلق الأمر بنُمو نبتة الحب ..

الحب في نظره لا ينحصر في مرحلة الشباب. ولا يعرف سنا للتقاعد ..ولا تزعجه التجاعيد وإنْ بَدَتْ ..و لا يشيخ مع الأيام. بل يتجدد مع كل نظرة حب. مع كل ابتسامة منعشة. مع كل لمسة حنان على اليد.. مع كل قبلة على الخد. أو مبسطا ذراعه على كتفيْها.

يتحرر حبه من قيود التقاليد الجاثمة، على صدره. ويحرره من الأنانية  والصمت وإخفاء المشاعر..

سينطلق مع حبه ..مع أنثاه ..مع عطر قهوته. تقودهم أحلام لا تعرف المستحيل في التعبير عن المشاعر. ولا مكان للشيطان، بينهم إلا شيطان شعره..

ما بال أنثاه لا تصدق ما يقوله. ما يحسه. أن مذاق قبلتها ومذاق القهوة لا يختلفان ذوقا. وأريج جسدها وعطر قهوته لا يتباينان شما. ولا يمكنه الاستغناء عن كل منهما ،

كلتاهما تُوَلّد فيه إحساسا ..يُخَدر مشاعره سويعات النهار. وكلتاهما يتجدد معها اللقاء في كل التقاء..ويرافقه أنسهما إلى أن يقوده النوم حيث الأحلام..

لكن في الأحلام أثناء النوم تغيب القهوة وتبقى أنثاه.