همس في أذن السيد الوزير ..
د.سعيد ألعنزي تاشفين
الوزير منصب سامي مفروض فيه أن يتأمل، و يدقق ويفكر ويعيد التفكير، وينتقي كلماته بذكاء، ويعمق البحث في متى يضع الفاصلة أو النقطة، ومتى يعود إلى السطر، ويتأكد من كل حرف يؤثث به مداخلاته، وحتى نظراته وحركاته وسكناته يجب أن تخضع للقياس بميزان بيض النمل. وكل هذا يدخل في صلب التواصل السيد الوزير، لأن الكلمة سلطة قابلة للتهدئة أو للانفجار .
الحديث عن الأقلية ضد الأغلبية يقتضي أن تكون لكم أنتم أولا مشروعية صناديق الاقتراع. ومن أسف ارتكبت حكومة السيد سعد الدين العتماني خطأ جسيما بمنح حقيبة الصحة لمدير المستشفى الجامعي بفاس الذي لا يميز بين التدبير الإداري والتدبير السياسي و هو الخطأ نفسه الذي سقطت فيه حكومة السيد عزيز أخنوش !! ونتساءل كيف لوزير تكنوقراطي أن يتولى أكبر الحقائب الاجتماعية ؟ كيف يمكن للشعب عبر سلطة الصناديق أن يعاقب وزيرا لا انتماء له سياسيا ضمن لعبة الديموقراطية ؟
ألستم أنتم السيد الوزير، أول من يمنع عنه الحديث بمنطق الأقلية والأغلبية في تقدير موقف، وأنتم خريج » الزهر » السياسي والعبث التدبيري و » الهمزة » الحكومية فكيف لا ولا مشروعية سياسية لكم عبر سلطة الإرادة الشعبية التي جعلتكم تنتهكون حرمة الموقف الشعبي عبر خرجة مدوية تفتقد لأدنى شروط اللباقة في التواصل بالذهاب الى المحاولة الضمنية في » تخوين » الرافضين لجواز تعليق المواطنة ؟
السيد الوزير، نذكركم أن المغاربة أوفياء للثوابت المتوافق عليها في الدستور، ما دون ذلك فيدخل مباشرة في صلب حرية الرأي و التعبير التي تنتهك بشكل فظيع تحت وقع الخلط الكئيب بين حالة الطوارئ الصحية وحالة الاستثناء من لدن ما يسمى باللجنة العلمية، كيف لا وحتى حرية الرأي ثم تعليقها تعسفا وكأن المواطنة أضحت بقدرة تعسفكم مجرد عنوان قابل للمسح بجرة ممحاة تكنوقراطية؟
السيد الوزير، إن التواصل أساس عمل الوزير، ومن دونه قد تكون الكلمات أداة للنفخ في النار بما يعمق مناخ التوتر والاحتقان، حتى أن كل سقطة مدوية تكون بمثابة الدعوة إلى مزيد من الصدام والشنآن. ولذلك نهمس في أذنكم مجددا أننا لسنا في وضعية » حرب الجميع ضد الجميع « ، بالأحرى نحن أمام ديناميات شعبية تعبر عن موقفها بتحضر من جواز تعسف على كل حقوق المواطنة وعلق كل شروط الانتماء، وهو ما يقتضي أذنا صاغية من لدن الحكومة تفاديا لهدر الوقت في معارك الوطن بشموخه في غنى عنها .
السيد الوزير، أنتم مجرد مسؤول سام يتقاضى أجرة دسمة، وتعويضات مبالغ فيها مقارنة مع جل دول المعمور من أموال دافعي الضرائب، وكل هذا بمبرر خدمة كل القضايا الشعبية باستقامة وهدوء واحترافية وإخلاص، لا أن تنعت صنفا من المغاربة أبا عن جد بالأقلية لمجرد أنها ضد ما تنهجون من قرارات عجيبة جدا لدرجة لا يقبلها منطق سليم .
السيد الوزير، إن استنزال مضامين النموذج التنموي الجديد، والبحث عن بدائل لأزمة الغاز بعد القرار الجائر لحكومة العسكر السياسي الديكتاتوري بجار السوء والفتنة، وطي صفحة التراجعات الحقوقية الحاصلة منذ 2011 مع شعبوية ابن كيران ومع خفة العتماني، يجب أن يشكل الأولوية لديكم كحكومة صفق لها الجميع ثم حزن بها وهي في المخاض، وبدل ممارسة التعسف على شعب عظيم في وطن شامخ تحت قيادة رشيدة، حري بكم إنهاء مسلسل القلق و الترويض الذي لا يريد أن ينتهي .
السيد الوزير لستم أهلا ، في كل متون القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي الدستور، لإعطاء دروس في الوطنية وبمنطق الأغلبية والأقلية لهذا الشعب الوفي لثوابته والمؤمن بالخيار الديموقراطي الذي ميز المغرب عن كل بقاع الجنوب الأفرو _ أسيوي. كيف لا والتسلط أصبح عملة الوزارة الرائجة في التعامل مع المواطنين في سوق القلق العام و الخيبات التي تتكرر كأننا قتلة الأنبياء.
السيد الوزير، إن المغرب أقوى وأنظف وأطهر و أفضل وأرقى وأصعب من كل الدسائس الدولية التي ميزت عهد النظام العالمي الجديد، و من كل المخططات التخريبية، التي تحاك بالغرف المغلقة لدى القوى العظمى خدمة لأجندة الهيمنة الكبرى. و إذا كنتم معالي الوزير كفاءة طبية، فالمغرب غني بكفاءات جليلة في مجالات علوم الإنسان والمجتمع بما قد ينسف كل الادعاءات المغرضة بالعلمية والتقنوية الفجة .
السيد الوزير لقد قرأنا بتمعن كبير ل » جون سيورانت ميل » و » دافييد ريكاردو » و » أدم سميت » و » مالتوس » و » كينز « ، و » برنار لويس » ، و » صامويل هنتنغتون » و » فرنسيس فوكوياما « . واطلعنا على مذكرات » ديك دشيتي » و » رامسفيلد » و » كونداليزا رايس « ، وتعمقنا في دواعي الحرب على العراق باسم » أسلحة الدمار الشامل » التي أعدمت صدام حسين في فجر العيد الإبراهيمي على يد الغدر الصفوي المسنود من ماكينة الفوضى الخلاقة التي كانت ولا تزال تخطط لتقسيم المقسم وتجزيئ المجزأ؛ وهو ما يذكرنا باتفاقية » سايكس / بيكو » التي ظلت سرية إلى أن فضح مضمونها فلاديمير إيليتش أوليانوف، لقد عمقنا الفهم في علاقة المعرفة بالسلطة منذ إيكلمان صاحب الحاج ابراهيم، وميشوبلير ودافييد هارد وبيترشارد، وكان لنا ميشل فوكو مرجعا صلبا في تفكيك العلاقة بين السلطة و » الحقيقة العلمية » عبر اركيولوحيا معرفية عميقة ودقيقة في فضح آليات تشكل » الحقيقة » عبر ضبط المعرفة وفق أجندات السلطة.
السيد الوزير لقد انتهى زمن اليقينيات والأرثوذوكسيات المطلقة، منذ أن حلت النسبية خيارا علميا مؤسسا على تحليل دقيق للمعطيات في زمن رأسمالية الكازينو وشيوعية الرعب كما تتراكم في تربة كونفوسيوس، ولذلك لا يليق بكم بالمطلق ممارسة التعسف التقنوي باسم التكنو – بيروقراطية المنفلتة عن كل ميكانيزمات النقد العلمي و التفكيك المعرفي .
وختاما، إن مصلحة الوطن أكبر من كل تعسف تقنوي متسلط، ورافض للحق في الشك المنهجي، وفي التخوف المنهجي الذي تعلمناه بفضل الكوجيطو، منذ رني ديكارت، وهي أطهر من كل تماه سطحي مع موجة الأحداث الدولية التي سيؤكد التاريخ حتما ذات يوم آت ما أحاط بها من » حقائق » صنعت، ورتبت في غرف مغلقة خدمة لرهانات الضباع الكبار.
ولعمري إن ثوابتنا الله / الوطن / الملك كفيلة بدحض كل تعسف، وشطط يمارسه وزير » الزهر » و » لهمزة » في زمن العبث العالمي، وقمينة بجعلنا لا نخون أحد، ولكن لا نبتلع ألسنتنا لأننا تعلمنا من رواد الحركة الإنسية منذ إيرازم وديكارت، إلى سبينوزا، ونحو ميشل فوكو، إلى بول ريكور وألان تورين، أن رفض الوصاية مدخل حقوق الإنسان، والحريات كعناوين ذهبية لفكرة الديموقراطية، وما ينبؤكم مثل تاريخ السيد الوزير .