الإثراء غير المشروع
رأي في قضية:
حميد المُعْطَى، مؤطر تربوي متقاعد فاعل سياسي وجمعوي وكاتب مقالات راي
مازال مشروع قانون الإثراء غير المشروع، يراوح مكانه في أروقة ولجان البرلمان منذ 4 سنوات، والسبب هو عدم اتفاق الأغلبية على هذا المشروع وعلى التعديلات التي خففت من صرامته في صيغته والوقائية والزجرية.
ما كان لنا أن نثير الانتباه إلى هذا التباطؤ والتماطل في التشريع، لو تعلق الأمر بقضية غامضة، تحتاج إلى تقنيين واختصاصيين لفك رموزها وحل إشكالياتها والكشف عن متاهاتها، أو قضية لا أهمية لها وليس لها صبغة استعجالية، وإنما الأمر يتعلق بقضية بسيطة لا تتعدى مسؤولا في وظيفة رسمية أو رئيس لجماعة ترابية أو وزير أو مدير لمؤسسة عمومية، أخل بواجباته أو اختلس أموالا أو استغل ممتلكات الدولة بغير حق ليغتني ويوسع ثرواته، مستفيدا من المال العام خارج المقتضيات القانونية أو الإجرائية أو ما يسمى بالإثراء غير المشروع .
الإثراء غير المشروع حديث البادي والعادي، والمتعلم والأمي والصغير والكبير في المنتديات والخاصة وفي المقاهي والفضاءات العامة، والحديث عن الإثراء غير المشروع المتأتى من الرشاوي وصفقات تحت الطاولة واستغلال النفوذ والفساد بكل ألوانه وأشكاله حديث ذو شجون والأمثلة عن المرتشين من المسؤولين ومستغلي النفوذ لا تعد ولا تحصى في ربوع مملكتنا السعيدة، في المدن والقرى بمستويات وأحجام مختلفة.
فكم من منتخب جماعي أو موظف عمومي ظهرت عليه علامات الثراء في نمط عيشه وممتلكاته العقارية والفلاحية وحساباته البنكية بين عشية وضحاها، خلال مدة انتدابه لمهمة تمثيلية أو مسيرته الوظيفية مع العلم أن وضعيته الاجتماعية كانت مزرية، إن لم تكن كارثية قبل توليه المسؤولية، ولكن بقدرة قادر أضحى من الأثرياء والأعيان الذين يحسب لهم ألف حساب.
إن تردد البرلمان في إصدار قانون الإثراء غير المشروع، وتبرير تأجيل المصادقة عليه بتبريرات واهية كعدم التدقيق في المفهوم والتخوف من تحويله إلى سيف دموقليس لتصفية الحسابات السياسية، والشطط في استعمال السلطة، يعتبر استفزازا للشعب الذي يلاحظ انتشار الظاهرة كما وكيفا، كما يعتبر هذا التماطل تسترا على الفساد وتواطؤا مع المفسدين ناهيك عن تداعيات الظاهرة على صحة المالية العامة وانهيار نسبة النمو والتنمية.
لقد آن الأوان، وربما تأخرنا عن الركب في معالجة قضية الإثراء غير المشروع باعتبارها قضية مجتمعية ذات أولوية، ينبغي محاربتها بتجريمها أولا ومعاقبة أصحابها أي المتورطين فيها بأشد العقوبات السجنية وأكبر قدر من الغرامات المالية مع مصادرة الأموال والممتلكات المشتبه فيها والحرمان من الحقوق السياسية ومن غشنا فليس منا.