مطارحة في براكسيس الاتفاق المغربي / الأمريكي / الإسرائيلي .. بين طوبا المناضل وبرغماتية رجل الدولة:

مطارحة في براكسيس الاتفاق المغربي / الأمريكي / الإسرائيلي  .. بين طوبا المناضل وبرغماتية رجل الدولة:
شارك

الدكتور سعيد ألعنزي تاشفين

  من وجهة نظر المبادئ الأخلاقية والحضارية تتموقع قضية فلسطين كقضية عادلة لدى كل إنسان حر فوق الأرض، لكونها تتعلق بمصير شعب أعزل، يكافح من أجل حقه في أرضه، لإقامة وطن يجمع شتاته، بدل واقعية شعب بلا أرض التي تٌشرعن الاحتلال عبر انشطاريات منفعلة ومنفلتة عن روح التحررية الكونية.

 ولا يمكن حقوقيا وأخلاقيا إلا أن تكون هذه القضية مشروعة، من دون تلكؤ في سياق إثبات شرعية مقاومة الاحتلال الإمبريالي الذي وظف مُخرجات مؤتمر  » بال  » بسويسرا مِسك القرن التاسع عشر لإعداد مشروع وعد بلفور الحاسم لجمع شتات  » شعب الله المختار  » على شظايا المهجّرين من الفلسطينيين و » الخوارج  » من أبناء الأرض المشرّدين على عتبات بلدان الهلال الخصيب غير بعيد من أرض الميعاد. الأمر هنا واضح ولا يدع مجالا للتشكيك وفق قواعد الأخلاق العامة المحدّدة بمرجعية الفطرة السليمة وبمقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني لكون إرهاب الدولة في لحظات كثيرة ضد شعب أعزل يقع تحت طائلة العدوان السافر على أشلاء ضحايا الانتفاضات منذ وعد بلفور نحو لحظة الانتداب مرورا بحرب العدوان الثلاثي نحو ما قبل منعطف اتفاقية كامب ديفيد التي استنزلت التطبيع لصالح سيناء.

   الدفاع عن القضية الفلسطينية يجب لزوما أن يواكبه نَفسٌ يرتِّب مختلف الانزياحات السياسية المرتقبة في الموقف نفسه ضد الإمبريالية لصالح كل مناطق هدْر كرامة الشعوب وانتهاكها، وفي مقدمتها سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وجزيرة ليلى كأراضي مغربية مسلوبة من أمة مغلوبة على أمرها تحت إكراه دولة امبريالية تقليدية محمية بانتمائها لحلف الناتو الأقوى عالميا بما ينتهك بشكل جسيم انتماء الثغور المغربية إلى حضن المغرب انسجاما مع شرعيات التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي.

    وإذا كانت قوى سياسية معينة، عبر بوابة التقريض المدجّج برهانات أحقاد الماضي وسوء تأويل ملف الصحراء، باسم القومية العروبية أو اليساراوية الإثنوية المجتثّة، تملك الشجاعة للتعبير عن دعم القضية الفلسطينية عبر النزول إلى الشارع لإحراج الدولة برفع شعارات ضد التطبيع مع الصهيونية في خلط سافر بين الصهيونية واليهودية لأغراض في نفس يعقوب، فإن عجزها تاريخيا عن تنظيم وقفة، ولو محتشمة، للتعبير عن رفض الاحتلال الغاشم لمدن المغرب المحتلة إسبانيا، أو لدعم مغربية الصحراء، يفيد أنها  من حيث تدري أيديولوجيا، تطبِّع مع الاحتلال هنا وترفضه هناك، وكأننا في زمن الفكر الأحادي الواحد المرهون بنشوة الممانعة البيزنطية دون أية اعتبارات لمصلحة الشعب المغربي ولقضاياه القومية. و قد يقول قائل إن فلسطين لها شرعية دينية من باب أولى القبلتين، وهنا ، دون تدقيق في حسابات أدلجة التاريخ، يسقط الموقف مباشرة في تديين السياسة وأسلمة التاريخ؛ وهو ما لا تختلف فيه العقيدة الصهيونية المؤسّسة على فكرة أرض الميعاد لصالح شعب الله المختار عن عقيدة التأويل الديني للمشروعية باسم العروبة والإسلام التي تطوِّع التحقيب التاريخي بما يخدم رهانات الأسلمة رغم عمق الانزياحات ورغم أن علاقة أرض فلسطين بالأديان مركّبة جدا وبشكل دقيق وملتو، وقد تتحقق الصدمة لو تسلّحنا بما يجب من الشجاعة من مدخل علم التاريخ في قراءة محايدة لمسألة الاستيطان بالقدس / أورشليم بمنطق ديني دون أية تحريفات دوغمائية للحقائق التاريخية، وذلك وفق التراكم الكرونولوجي للأديان كما نزلت واستوطنت منطقة الشرق الأوسط منذ أبراهيم الخليل قُبيل الهجرة نحو مصر ثم إلى الحجاز ليستقر بواد غير ذي زرع، إلى موسى ثم عيسى ومحمد؛ وشرعية السبق هنا والانتماء للأرض بمنطق الهوية اللاهوتية يفيد عمق خفقان حلحلة ملف الاستيطان وإرجاع الحقوق إلى أهلها تحت وطأة الخلط المبين بين الديني والسياسي، والاثني والطائفي ، والعقدي و المذهبي، والحقوقي والأيديولوجي، وهنا يختلط الحابل الأيديولوجي بالنابل التاريخي بما يعمق أزمة الملف بين متاريس الأساطير المؤسِّسة، ويسوِّف التسوية المناسبة لصالح الدولتين جنبا إلى جنب مع صون حرمة القدس لصالح الديانات التوحيدية الثلاث.

   إن تفسير ومطارحة القضية الفلسطينية حاليا بمنطق السبعينات، كما قعّد لها المنظر ميشل عفلق، يكشف أن الذهنية تناقش التاريخ بمنطق اللاتاريخ، و تنتصر للقراءة الأحادية لتاريخ الأديان بالشرق الأوسط نحو بلاد كنعان والحجاز، بمعنى عبر نزْعات بسيكولوجية رومانسية لا تأخذ بعين الاعتبار الثابت والمتغير في موازين القوة في العلاقات الدولية، ولا تستحضر منطق سبقية النزول التيولوجي بأرض الميعاد. فسابقا كانت القضية الفلسطينية تستفيد من وجود الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى تقف بالمرصاد لعراب المعسكر الغربي عندما كان الديني مدخلا دقيقا لتدبير الصراع، مع كون الاتحاد هذا ينتصر لشعوب العالم الثالث من منطلق حقها في تقرير المصير كما نص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة، محاوِلا تقويض دعائم الغرب الرأسمالي ببروباغوندا دقيقة تُجيِّش جماهير العالم الثالث ضد كل قواعد الفهم الأمريكي للنظام الدولي في كنف القطبية الثنائية. وكل هذا يتنافى حاليا مع عنف النظام العالمي الجديد الذي بوّء إسرائيل مكانة اقتصادية هائلة كقوة فلاحية وصناعية بقلب الشرق الأوسط مستفيدة من نظام العولمة الرأسمالي الذي جعل الشركات العابرة للقارات تفرض ايقاعا جديدا لصالح التطبيع المرن بعيدا عن خطابات الحلْقة الأخلاقاوية التي تتهاوى تحت قذائف النيو- امبريالية الاقتصادية التي تجعل أقوى خصوم ل »  قوى الاستكبار والطاغوت  »  الإمبريالية الجديدة هذه تشتغل وفق إنتاجات الخصم التكنو – علمية نفسه من خلال غوغل والفايس بوك وتويتر والوتساب ومن خلال شركات عابرة للقارات مثل التيد TIDE وOMO ومايكروسوفوت، وغيرها من الشركات المتعددة الجنسيات ذات الأصول اليهودية التي تُخضع العالم إلى قواعد النهج الرأسمالي رغم أنفه، واللائحة طويلة طول الشعارات المُمانِعة أخلاقويا مع صفر ممانعة على مستوى أجرأة روح الشعارات من حيث الممناعة الاقتصادية والتقنية ضد الغرب الرأسمالي الحاضن للكيان العِبري والذي بوّأه مكانة مركزية ضمن نسقية العلائق الدولية. وأزعم أنه يشترط،  بالضرورة المنهجية، استحضار زخم المتحوِّل ووقْعه دوليا قبل محاكمة قُدسية الثابت على ضوء دينامية العلائق الدولية هذه في سياق النظام العالمي الجديد كشكل مباشر لأمركة العلاقات الدولية التي تعتبر وجود اسرائيل قضية جوهرية في ضمان الأمن القومي للعم سام الذي سخّر الانتداب البريطاني بحر القرن الماضي لوضع حليف استراتيجي في قلب جغرافية الشرق الأوسط المثخن بالتناقضات الدينية في قوالب متعددة ومتناقضة مذهبية و عقائدية و طائفية غير محصورة منذ الأزمنة الغابرة .

   إن التعبير عن رفض تحصين المغرب لمصالحه الترابية باسم ادعاء مقايضة فلسطين يكشف بشكل جلي طغيان طوبى المناضل على نقيض براغماتية رجل الدولة، بما يعمق بون الفهم وينتهي إلى بناء استنتاجات مهزوزة على ألياف الروح الموضوعية والواقع التاريخي، فالفقيه والداعية والمناضل والحقوقي والأديب والشاعر .. كلهم يحوّلون القضايا إلى نظائم للتأمل الرومانسي الذي يستغلِب حلم ما يجب أن يكون على حساب رجحان واقع ما هو كائن في تجاوز غير واع لدفْع التحليل الملموس للواقع الملموس وفق دياليكتك الأضداد وحسب جدلية السلطة السياسية والاقتصادية ثم العسكرية نحو واقعية الإدراك والتجلي. فالمناضل هنا يتمسك بالحلم المخصي ويرافع عنه بالشعارات الصاخبة غير مُبال بكيف تتشكّل توازنات القوة؛ إنها طوبى سيكولوجية تعويضية تمتح من أزمنة القهر الأولى كسقوط القسطنطنية أو تفوّق صلاح الدين الأيوبي وبريق العصور الذهبية المُغرية جدا ليوتوبيا الحلم العاطفي في مِقصلة العُقم الحضاري الذي جعل اسرائيل قوة ديموقراطية في محيط عربي جريح يعج بالمناوشات الأفقية والجهل المقدس والاستبداد الناعم والانقلابات الرمزية وحروب داحس والغبراء التي لا تنتهي بين الإخوة الأعداء من مداخل الطائفية والعقائدية والمذهبية والأثنية. وبمنطق علم النفس التاريخي تؤسَّس الشعارات من داخل أيديولوجيا الوهم المشرعَن بقوة الهزيمة النفسية الحاصلة إبان عصور الانحطاط العربي زمن النكبة والانتكاسة منذ منعطف 1967. إننا هنا أمام آلية سيكولوجية تعويضية ترمّم الهزائم بقوة الشعارات دون تعميق الفهم في آليات تشكل السلطة وفي ميكانيزمات تجلي العنف الدولي في زمن جديد له مقوماته الدقيقة جدا على كل المستويات.

 إن أهم شروط الموقف السياسي هو الواقعية والعقلانية والبراغماتية كما يفهم رجال الدولة، بيد أن شروط الموقف النضالي هو الحلم والممانعة والرومانسية الثورية كما يذهب رجالات النضال وفحول  التنظير الأيديولوجي منذ انبلاج البعث القومي دون أدنى اهتمام بميزان القوة وبتوازنات الرعب كما يتم استعمالها أمميا. وبهذا المنطق الترنسندنتالي / المعياري لا يتسنّى ضبط شعرة معاوية الفاصلة بين من ينتصر للموقف الأمريكي، عبر الاتفاق الإبراهيمي، ومن يُدينه وستنكره، مع ضرورة تجاوز التأويلات المتعالية للتاريخ نحو أجرأة المواقف وفق المتاح من الحلول العملية لصالح قضايانا العادلة ولإيجاد تسوية مناسبة لملف المغرب المعروض على أنظار الأمم المتحدة منذ عقود من الاستنزاف المستمر، ودون المقامرة بالقضية الفلسطينية بالانتحار البينزنطي الجامد كما يدعو إلى ذلك رواد الممانعة الرومانسية، أو بالجحود الانتهازي الظرفي بالقفز على قواعد التاريخ .

   ولأن المغرب لا يزال محتلا في شماله من لدن إسبانيا، ومحاصرا شرقا من قِبل عسكر الفهم البيسماركي / الستاليني للجوار، ولأنه مُعرقَل جنوبا باسم جمهورية الانفصال التي أسسها مريدو العروبة المتمركسة بمحاذاة موقف اللاموقف الذي يعبر عنه النظام الموريتاني وفق حالة اللاسلم واللاحرب الموطّدة لوضعية الستاتيكو حيال مصالح المغرب الترابية، في اتجاه عدم التحكم في فيافي جنوب الجزائر شرق موريطانيا في اتجاه مالي والنيجر ومالي نحو بوركينافاسو ونجيريا، غير بعيد من ليبيا الفاشلة بعد اسقاط نظام الكتاب الأخضر. فإن خصوم الموقف المغربي الرسمي، على ضوء فرضية التطبيع ، مطالبين بوضع الفرضية التالية؛ ماذا لو رفض المغرب مقترح الولايات المتحدة الأمريكية ب  » التطبيع  » ( هذا ونحن هنا نفترض جدلا أن التطبيع واقع راسخ وأن الدبلوماسية الرسمية للمغرب أخطأت التقدير جدلا )، ونجح الجار الشرقي عبر دهاء جنيرالات قصر المرادية في توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية للاعتراف ب  » الجمهورية العربية الصحراوية  » واستقطاب اسرائيل لدعم 《الشعب الصحراوي》لوجيستيكيا وماليا وعسكريا، وبالتالي صدور اعتراف هذه القوة الأولى عالميا المالكة للفيطو بمجلس الأمن الذي تعتبر قرارته ملزِمة كقواعد آمرة، عكس قرارات الجمعية العامة، بمشروعية جبهة الانفصال، مع ما سيترتب عن ذلك من تحريك مجلس الأمن لفرض انسحاب المغرب فورا من الصحراء كمنطقة نزاع خاضعة لمراقبة الأمم المتحدة وفق اتفاق وقف إطلاق النار الذي رتّب حضور المينيرسو بالمنطقة العازلة! كيف سيكون موقف المغرب لو اعترفت الولايات المتحدة بالبوليساريو إذن يا دعاة الفحولة الايدلوجية وبدأت مخططات التقسيم لصالح تحالف اسرائيل / الجزائر !! علما أن تقييم موقف المغرب الرسمي يقتضي استحضار منطق الخُلف من خلال قلب المعادلة رأسا على عقب،  ثم بناء المفارقة على أساس نقيض الأطروحة الأولى. ولا ريب أن مناقشة موقف المغرب، دون استحضار كون ابتزاز الأنظمة ملازم للنظام العالمي الجديد منذ إعدام صدام حسين فجر العيد الإبراهيمي دون أدنى اعتراف بالقانون الدولي الذي عجز عن صد العدوان السافر على العراق باسم أسلحة الدمار الشامل التي استغلها التحالف الأمريكي / الصفوي، يشكل ردّة مفضوحة وحنينا باردا إلى زمن الحرب الباردة الأولى. وعليه فمحاكمة موقف المغرب بالمواقف الرومانسية دون حفريات عميقة في علم السياسة والسلطة دوليا، و الذي يتحمل ابتزازا خطيرا من مدخل صحرائه من طرف فاعلين كُثر لعقود حتى أن اتفاقية الصيد البحري يستفيد منها الاتحاد الأوربي وروسيا بمقابل لا يناسب إطلاقا أهمية الثروة السمكية التي يزخر بها جنوب الأطلسي؛ والفزاعة هنا ليست سوى الصحراء المغربية كمدخل لابتزاز المغرب من اليد التي تؤلمه طيلة عقود، لا تستقيم دون تعميق النظر في الأطروحة ونقيضها قبل بناء استنتاجات متسرعة تحت جنوح الحماس الانفعالي المؤسس للمراهقة الثورية.

      ويبدو لي أن تصريف مواقف المُمانعة فوق كراسي مقاهي الرفاق، أو بعد صلاة الفجر من لدن حفدة صلاح الدين الأيوبي؛ لا يعدو أن يكون هلوسات الحلم الرومانسي المخصي والذي يمتح من بطولات زمن الحرب الباردة لحظة دعم معسكر الشرق الاشتراكي لشعارات الشعوب ومطامحها سنوات ممتدة قبل اندحار الاتحاد السوفياتي نفسه عام 989 ، وإعلان أمريكا قيام نظام القطبية الأحادية القائم حقيقة على الابتزاز والمساومة و » البلوكاج  » رغم شعارات الحقوق والحريات والسلم والأمن الدوليين، عقودا بعد تقسيم كعكة الرجل المريض وفرض توقيع اتفاقيات ما بعد الحرب الدولية الأولى. و يكفي الاطلاع على بنود معاهدات فرساي ضد ألمانيا وسيفر ضد الدولة العثمانية وسان جيرمان ضد النمسا وتريانون ضد هنغاريا ونويي ضد بلغاريا منذ قرن للتأكد من دهاء الولايات المتحدة التي دخلت غمار الحرب الأولى عام 1917 والتي انقلبت على الاتحاد السوفياتي مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 في مضمار الحرب الأيديولوجية والتنافس لقيادة العالم، رغم أن دحر هتلر كان بدعم مباشر من الجيش الأحمر السوفياتي الذي وظفه الأمريكان أبشع توظيف ثم حسموا معه فينا بعد. إن سقوط حائط برلين، وفشل الكلاسنوست والبروسترويكا، وسقوط نزعة الإنقاذ من طرف بوريس إلتسين، وتشكل رابطة الدولة المستقلة أولا ثم روسيا الوريثة لدولة البلاشفة ثانيا؛ كلها مؤشرات تحدد منطلق فهم العلاقات الدولية في ظل النظام العالمي الجديد الذي هو الأمركة كشكل مباشر للعولمة النيو – امبريالية بحلة الليبرالية المتوحشة المتحكمة في العالم من مداخل متعددة؛ حتى أن ما يتطلبه صنع طائرة واحدة من نوع الأباتشي يكفي لتلقيح كل أطفال إفريقيا من كل الأمراض، وحتى أن ميزانية شركة واحدة من طينة جينرال موطورز أو مايكروسوفت أقوى من ميزانية عدة دول أفريقية !!

    و بُناء عليه حري قبل تصريف مواقف بطولية وهمية تحاجج براغماتية الدولة الواقعية بالمُمانعة الثورية الرومانسية فهم آليات اشتغال النظام الدولي الجديد، من خلال التمعن في الأدبيات الكبرى لهذا النظام منذ ميلاد فكرة صدام الحضارات ونظرية الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا على قاعدة براديغم السلطة التي خطط لها منظرون كبار لصالح رهانات البنتاغون من طينة صامويل هنتنغتن وفرنسيس فوكوياما ولويس برنارد؛ حتى أن فكرة الاتحاد المتوسطي التي دافع عنها نيكولا ساركوزي لم تصمد أمام مخطط ربط المحيط الأطلنطي بالحوض المتوسطي نحو المحيط الهادي وفق قوالب الفهم الجيو – استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية  ( المحيط الأطلنطي ) وإسرائيل ( البحر الأبيض المتوسط ) والمحيط الهادئ ( ألينا – النافطا / الأسيان – اليابان ) لصالح قواعد المنظمة العالمية للتجارة. وما إسقاط القذافي وعزل حسني مبارك وتهريب زين العابدين بنعلي والتوافق على عدم إزاحة بشار الأسد ومحاصرة حسن نصر الله سوى مؤشرات الحرب الجيو – استراتيجية بمنطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط في اتجاه قزوين والقوقاز. و كل ما سلف يندرج من تمظهرات البراديغم السلطوي الأكبر الذي سماه صقور البيت الأبيض بالشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا جنوب البحر المتوسط منذ رونالد رامسفيلد وديك تشيني وكونداليزا رايس وكولن باول وغيرهم من صقور إدارة جورج بوش الأب والابن فيما بعد .

    فهل يجوز إذن معاداة السامية بخطابات  » الفْقهى  » وبشعارات الحلْقة التي تزينها الشاشيات الكوفية، أو ببطولات مناضلي العروبة المتمركسة والإسلام السياسي الذي دعمته الولايات المتحدة الأمريكية منذ احضار آيات الله الخميني من انجلترا محميا بالمخابرات الفرنسية والأمريكية عام 1979 حيث خرج من رحم مخطط العام سام في ظل توازن الرعب الذي حسم الصراع ضد الاتحاد السوفياتي بأعالي قزوين وفي ربوع القوقاز بسلاح المجاهدين الأفغان الذين أصبحوا فيما بعد حركة طالبان !! قبل أن يحل خريف شمال إفريقيا بدعم الإسلام السياسي فيها لتخريب جبَهات الشعوب وتطويق شرعية الأنظمة أولا، ثم لتعبيد الطريق ثانيا أمام مخططات جديدة / قديمة بدأت منذ معاهدة سايكس – بيكو السرية التي قسّمت الأوطان خدمة لنهم الإمبريالية، مع العلم أن تقسيم المقسّم وتجزئ المجزّأ هو حجر الزاوية في نظرية الفوضى الخلاقة التي قعد لها برنارد لويس مؤرخ الصراع لدى البانتاغون بما يعيد الروح لاتفاقية سايكس / بيكو القديمة – الجديدة كما حصل بالسودان .

     ترى هل يريد زعماء نضال الممانعة بالمغرب تقسيم المغرب ونزع الصحراء عنه حتى نرفع معا شارة نصر للدولة باسم البطولة على أشلاء جثامين الشعب المغربي وشهدائه الذين قضوا نحبهم بسخاء دفاعا عن رمال الصحراء !! أم تراهم تناسوا أن الزعيم التقدمي لنين هو من فضح اتفاقية سايكس/ بيكو السرية رغم أنف الكولونيالية الفرنكو – انجليزية !! أم تَرى أن البحث عن البطولة العصماء يقتضي معادة أمريكا واسرائيل من لدن مغربٍ يقاوم بشجاعة ضد استئصال ترابه رغم دسائس الابتزاز ورغم مسلسل مضن من الاستنزاف على حساب آهات مغاربة المغرب المنسي !! أم تُرانا جميعا نستطيع تحمل عقودا أخرى من الاستنزاف من باب الابتزاز بأسلحة《الصحراء الغربية》على حساب مقدُرات المغرب و حلمه في بناء نموذج تنموي مستقل وغير تبعي ..

    وحسبي ختاما أن تقدير المخاطر بواقعية عقلانية أولى من تبخيس النتائج برومانسية ثورية وفق رؤية غير محترفة منهجيا عبر حماس حلْقات الجامعة التي يحميها شرف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قبل مؤتمر الطلاق بما يعادي المخاطر الدولية المحدقة باسم شعارات طابور فرسان التحليل الهولامي للتاريخ . وأعتقد أن صون مصالح المغرب الفضلى أكبر من كل النزعات العروبية المتمركسة ومن ارتدادات القراءات المتأسلمة للتاريخ والمتديّنة للعلاقات الدولية . إذ عبر الولاء للوطن أولا وأخيرا يمكن أن نجد أرضية مشتركة للتفكير في سبل مُناصرة القضية الفلسطينية بواقعية أكثر، وغيرها من القضايا العادلة لصالح جحافل المستضعفين، بروح الواقعية والعقلانية والبراغماتية الإيجابية الذكية بدل ضجيج الوهم وصَخب الحلم المخصي. وأدعو كل الرفاق إلى إعادة قراءة مفهوم التكتيك والاستراتيجية كما أصّل له صاحب ما العمل، كما أدعو كل الإخوان إلى إعادة قراءة مالك بن نبي ونظيمة التاريخ الذي يعيد نفسه بمحاذاة أطروحة نيتشه في معبد التاريخ نفسه، مع دعوة الدولة بوضوح إلى عدم التعاطي الانفعالي مع  » الفتح المبين  » الذي جاء به الرئيس ترامب في آخر أيامه بالبيت الأبيض بأساليب متجاوزة كالبهرجة والفلكلرة وزغاريد القطيع السياسي بما يسوق لصورة متخلفة جدا للمغرب أمام المنتظم الدولي، وكأن الشكوك قائمة إزاء الجنوب المغربي المشروع بالتاريخ والجغرافيا والطوبونيميا والبيعة والقانون الدولي وبكل مصادر التاريخ البديلة أنتروبولوجيا، مع ضرورة تطبيع الدولة مع حق الممانعين المغاربة في رفض صفقة القرن لأن ذلك يعطي سندا للدولة في فرملة مطامح واشنطن / تل أبيب مستقبلا تفاديا لأي ابتزاز أخطر من لدن صناع الأحداث وفق نظرية النافدة المفتوحة وعلى الجميع فهم أن القوي دائما يملي شروط اللعبة؛ لأن التاريخ مسرح المنازعات بحثا عن المصلحة، بما يشدّ عضد المغرب وحقه في مجاله الحيوي. وفي حب المغرب وحماية مصالحه فليتنافس المتنافسون .

      ونهاية أعتبر جازما أن الحق لا يصير حقا بكثرة منتحليه كما أن الباطل لا يصير باطلا بقلة منتحليه والعقل حجة ..

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *