تاريخ قبيلة حمداوة، الجذور والأغصان
بقلم الأستاذ محمد فاضيلي
تقديم:
قبيلة عربية، شريفة إدريسية، قدر لها أن تتوارث المجد والكرامة، والتقوى والصلاح، وخدمة القرآن الكريم، حفظا وتدريسا، كما قدر لها أن تتوارث المحن والابتلاءات، وتذوق مرارة الهجرات المتوالية، قبل أن يطيب لها المقام في الشاوية العليا(العلوة)، لتصبح أهم مكون في الجسم المزابي العريق، وتتفاعل مع الأحداث سلبا وإيجابا، ثم يرحل العظام، ويدب الجهل بين النفوس، ويصبح السعي وراء الرزق أهم الشواغل، لكن الأصل الطيب والمنبت الحسن ما تزال جيناتها تجري في الدماء، ومحبة القرآن وخدمته ما يزال صداهما يتردد في القلوب، ويتبلور في شكل زاوية قرآنية هي أهم معالم المدينة البسيطة التي تشكلت على الأرض الحمداوية، الزاوية التاغية التي استطاعت أن تجذب الطلبة من كل الوطن، وتخرج الآلاف من حملة القرآن على مدى قرنين من الزمن.
فما تفاصيل الحكاية، وما أهم فصولها .
الجد الأعلى:
تنتسب قبيلة حمداوة إلى جدها الأعلى الولي الصالح القطب سيدي أحمد الدرعي الملقب بجبار المكسور، والذي يوجد ضريحه وزاويته القرآنية في ضواحي مدينة زاكورة بالجنوب المغربي. فمن هو جبار المكسورهذا، وكيف استقر به المقام بزاكورة حيث سيقضي بها ما تبقى له من عمر؟
إذا كان التاريخ قد ظلم كثيرا من العظماء في وطننا المغرب، ولم يهيئ أياد أمينة تنقل سيرهم وأخبارهم إلى سجلاته، فإن الشيخ أحمد بن علي الدرعي قد اكتال بالمكيال الأوفى، ولم يكن رحمه الله نكرة أو عابر سبيل، حط وارتحل دون أن يترك بصماته التي لا تنمحي، بل إنه قد تربع على عرش الولاية والصلاح والعلم والدعوة إلى الله عز وجل، وقد أشارت إليه بعض المصادر التاريخية إشارات عابرة في تأريخها وترجمتها لبعض الشخصيات العلمية والدينية، فالمؤرخ المشهور العباس التعارجي في « الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام » الجزء الثاني ص281 في ترجمته للشيخ أحمد أبي القاسم الزمراني، قال: » أخذ رحمه الله عن سيدي علي بن ابراهيم، وبعد وفاته لازم الشيخ أحمد بن علي الدرعي وكان ممن جمع له بين العلم والعمل والحال مع كمال الخصال حتى ختم له بذلك.والمؤرخ المزاري في كتابه « طلوع سعد السعود »ذكر في هامش الصفحة 102 من الجزء الأول » أن أبا العباس-سيدي أحمد بن علي كان تلميذا لأحمد بن يوسف الراشدي الملياني وكان يطعم المساكين من ماله الخاص، خاصة في عامي المسغبة سنتي 958ه/959ه/1551م/1552م.
ظروف الهجرة ومحنة القبيلة الحمداوية:
الهجرة إلى درعة :
إذا كانت كتب التاريخ قد روت بتفصيل ظروف هجرة المولى إدريس الأكبر إلى المغرب ومبايعته من طرف قبيلة أوربة في الشمال وتأسيس أول دولة إسلامية فيه ، ثم سقوط دولة الأدارسة على يد المرابطين وتفرقهم في البلاد، فإنها قد تغافلتعن أجداد الشيخ أحمد بن علي الذين هاجروا إلى الأندلس قبل أن تسقط على يد الإسبان، ويتم ترحيلهم إلى الحدود بين المغرب والجزائر، وفي المنطقة المسماة مليانة سيظهر أحمد بن علي كتلميذ لشيوخ مليانة وعلى رأسهم الشيخ أحمد بن يوسف الراشدي الملياني الذي أخذ منه القرآن والعلم والصلاح على الطريقة الشاذلية حتى أصبح قطبا في الطريق.
وستضطره الظروف الصعبة التي عاشتها الزوايا في عهد السعديين وعلى رأسهم السلطان أبي عبد الله الشيخ إلى مغادرة مليانة والتوجه نحو درعة مخفيا أصله ونسبه ، وتقول الرواية الشفوية المتوارة عن أحفاده إنه كان يعظ الناس في العراء، ولما أخذ منه التعب كل مأخذ، جلس إلى جذع نخلة، فأقبل عليه الأهالي وأكرموه غاية الكرم عندما عرفوا أصله وفضله وعلمه وصلاحه، ثم بنى زاويته القرآنية وكثر أبناؤه ومريدوه، لتنشأ حوله قرية صغيرة تسمى « قرية أولاد الحاج علي »
وقبل وفاته أوصى بنيه بالاشتغال بالقرآن وتعليمه الناس، واجتناب الحكم والحكام، فلا يعينوهم ولا يعينوا عليهم، والاهتمام بالطلبة إيواء وإطعاما وكسوة. تخرج على يديه كثير من العلماء والأولياء من أبرزهم الولي الصالح عبد الله بن حسين والولي الصالح محمد بن ناصر والولي الصالح أبو القاسم الصومعي الزمراني ..يقول الدكتور اسماعيل العربي في كتابه معجم الفرق والمذاهب الإسلامية ص363 : » تنتمي الطريقة الناصرية إلى الطريقة اليوسفية عن طريق عبد الله بن حسين الرضى وعلي عبد الله والسيد أحمد بن علي الدرعي »
الهجرة إلى الشاوية:
عند وفاة المولى إسماعيل سنة 1134ه/1727م دخل أبناؤه في صراع على الحكم، وأصبح للجيش اليد الطولى في عزل وتنصيب من يشاء، ومن يدفع أكثر، ومن هنا تبدأ الحكاية، حكاية عائلة قدر لها أن تهجر القرية والضريح والزاوية في اتجاه مجهول وتعاني الأمرين، قبل أن يستقر بها المقام وتتناسل الذرية ويكثر الأفخاذ والبطون.
تقول الرواية الشفوية المتواترة عند الحمداويين والتي يرويها الآباء للأبناء جيلا بعد جيل:
« دخل السلطان عبد الملك بن اسماعيل القرية الآمنة، وسأل عن كبيرها، فأخبر أنه عبد الله بن العايدي المعروف ب(بوي عبو) شيخ الزاوية، وطلب منه أن يمده بطلبته ليلحقهم بالجيش، فرفض، عملا بوصية جده الذي أوصى بالاشتغال بالقرآن واجتناب الحكم، فطلب منه أن يأمر رجال القرية بذلك، فرد عليه: دونك القرية فأمر بما تشاء » وهنا استشاط السلطان غضبا وأمر برميه في السجن، ولما سمع أخوه الأصغر(أبو زيان) بالأمر، أسرع إلى السلطان وطلب منه الإفراج عن أخيه الذي هو بمثابة أبيه وشيخه، لكن السلطان تهكم به قائلا: إنه ليس أخاك(لأن بوزيان أبيض البشرة وعبوأسمراللون) فرد عليه: الناس جميعا يعرفون أنه أخي وابن أمي وأبي. فقال له :إن كان أخاك كما تزعم ، فافده. قال : أفديه بما تشاء. قال له: تفديه بإحدى عينيك. فما كان من بوزيان إلا أن مد أصبعه بكل قوة وأخرج عينه من مقلته، ووضعها أمام السلطان، فارتبك السلطان، وكاد أن يغشى عليه، وقال له: أعطيك أخاك على أن تغيب شمس الغد فلا أجد أحدا منكم في سلطنتي. »
وهكذا خرجت الأسرة الحمداوية مكونة من سبعة رجال هم : عبد الله بن العايدي وأخوه بوزيان وابن أخيهما الجيلالي (تتجاور أضرحتهم في المقبرة الرئيسية بابن أحمد وتلقبهم العامة بالجدود بتسكين الجيم) وأقرباؤهم : التاغي(جد بطن أولاد ابن التاغي) والغزواني(جد بطن لغزاونة) والبداوي(جد بطن لبداوات) وآخر لم يذكر اسمه(جد بطن لعسيلات).بأزواجهم وأبنائهم وأموالهم، تسيرهم إرادة الله عز وجل، إلى أن وصلوا الشاوية العليا/العلوة المعروفة منذ القديم بأنها أرض الأولياء والصالحين) ونزلوا ضيوفا عند الشيخ عمرو الزيري(جد قبيلة أولاد اعمرو تبعد بحوالي 9 كيلومترات جنوب المدينة)، وتعارفت الأسرتان واندمجتا مع بعض، لكن قطاع الطرق طمعوا في أموال المهاجرين وأرغموا عمرا الزيري على التناوم ليلا وترك الأغراب وشأنهم، فجمع الأخير نساءه وأبناءه وعبيده وأمرهم بلزوم بيوتهم وعدم الخروج ليلا مهما كان الأمر، فرضخوا له، لكن إحدى زوجاته صاحت فيه قائلة: كيف تخذل ضيوفك وقد احتموا بجوارك، كيف تخذل أولياء الله وقد أرضعت نساؤهم أبناءك وأرضعنا نحن أبناءهم، إنك أبو أبنائهم، وهم آباء أبنائك.
وهنا طأطأ عمرو رأسه وبكى، وفي الليل كانت رصاصاته وأبنائه للغزاة بالمرصاد. وفي الصباح اجتمعت القبيلة وحكموا على عمرو بحلق لحيته… وما زال أبناؤه وأحفاده يفتخرون بأبيهم الذي حلق لحيته بسبب مروءته وشهامته.
عندما علمت الأسرة الحمداوية بالخبر قرروا مغادرة قبيلة عمرو والتوجه شمالا حيث اشتروا أراض شاسعة هي كل أراضي المدينة الحضرية حاليا وما يحيط بها، وأنسلوا ذريتهم، وفرعوا بطونهم وأفخاذهم ، وهي:
قبيلة أولاد عبو: خلف عبو بن العايدي ستة أولاد خرج منهم ستة بطون، وهم :
-المقدم: جد بطن أولاد المقدم بدوار لكرار حوالي سبع كيلو شمال المدينة
-الضريف: جد بطن أولاد الضريف حوالي اثنين كيلو شمال شرق المدينة
-أحمد، جد بطن المساعدية، في قرية زيو تبعد بثلاث كيلو شمال المدينة، ومنهم سيخرج الشيخ الحاج أحمد بن مسعود التاغي مؤسس الزاوية التاغية، وقد تفرع من هذا البطن أفخاذأخرى، وهم : المخاترية- الطواهرية-الدحامنية –أولاد القايد
-برحو: جد بطن أولاد برحو بنفس القرية زيو.
-سلوم: جد بطن أولاد بن سلوم بزيو
-عمر جد بطن أولاد بن عمر بزيو.
بوزيان: تزوج بوزيان بزوجتين : ريما وزهرة، تكونت من رحمهما قبيلتان كبيرتان، هما :
أولاد زهرة: ومنها بطون : العزايزية-العرايبة-بوعتروس-بوكركوح
أولاد ريمة: العبادلية- الصغارنية- بهانس
التاغي: جد بطون: أولاد بن التاغي- أولاد ابن الشرقي- الدحامنية. حوالي كيلومترين جنوب المدينة
الغزواني: جد قبيلة لغزاونة حوالي تسع كيلومترات شمال المدينة.
البداوي : جد قبيلة لبداوات: حوالي كيلومترين شمال المدينة.
………: جد بطن لعسيلات: حوالي ست كيلومترات شمال المدينة.
قبيلة حمداوة ستصبح أكبر قبيلة في الجسم المزابي، وستدخل في صراع طويل مع قبيلة لمذاكرة(عاصمتها مدينة الكارة حاليا حوالي 25 كيلومتر شمال ابن أحمد ) فيما سمي بحروب السيبة طمعا في الأراضي الحمداوية وخيراتها، وتقدم شهداء كثر، قبل أن تتحالف معها بقية قبائل امزاب وتنهي الحرب لصالح حمداوة، ، وستتسلم قيادة امزاب على يد القائد الشرقي ثم ابن أخيه القائد محمد ابن أحمد الذي سيبني قصبة عسكرية سنة 1863م والتي ستتحول فيما بعد إلى مدينة ابن أحمد، حاضرة امزاب، كما أنها شاركت في حرب أنفا سنة 1907 وقدمت شهداء وجرحى، وقاومت الاستعمار الفرنسي بالسلاح والنضال السياسي.
جعلها الله بلدا آمنا وحفظها وأهلها من كل سوء.