بطلة من هذا الزمان
سطات/ ليلي برنيش
مشكلتها أنها صامتة؛ وللصمت أشكال مختلفة وإن كان أشهرها صمت النطق والحديث مع الناس.. فأوجعها وأشدها ألمًا هو صمت وجفاء المشاعر والحِس؛ في الظاهر هي امرأة قوية لم يراها أي شخص وهي تبكي، لا أحد يعرف عنها كل شيء، ولا أحد يملك أسرارها، هي صامتة في لحظات الحزن لا تتغير ملامحها، تكتفي فقط بـابتسامة هادئة تمامًا كما تفعل في لحظات سعادتها العابرة، ليس بـإمكان أحد فهم ما يدور بداخلها، ليس بـإمكان أحد أن يلاحظ شيئا عنها أو يقسم أنه يعرفها، حتى صديقاتها لا يعرفن عنها إلا النزر القليل عنها، تراها دائمًا مبتسمة في صمت وهدوء تام كما لو أنها لم تتألم يومًا، وكأنها ولدت لتسقط وتقاوم وتنهض في صمت؛ أما عما يحدث بداخلها فلم يكن كافيا حتى لتذرف دمعة في خلوتها منذ فترة طويلة، تشعر وكأنها امرأة من فلاذ لم يعد شيء يبكيها، تحاول جاهدة أن تبكي فـدائمًا الأصعب من البكاء هو فقدان القدرة عليه ؛ يرحل مَن يرحل، حتى أقرب الأقربين لم يعد رحيلهم أمر صعب بالنسبة لها، بل كانت هي من تقطع الوصل بهم أحيانًا لتتجنب نظرات وكلمات العتاب واللوم؛ في أشد المواقف التي تستدعي البكاء لا تبكي، في صدمتها تلتزم الصمت، ليس من السهل إثارة غضبها أو هز شيء من ثباتها، ملامحها باردة طوال الوقت، هي من فلاذ أو مطاط لا يهم، الأهم أنها صامتة وساكنة بشكل مرعب كجثة في ثباتها الأول، كدمية مبتسمة لا تتحرك، وكعجوز على ملامحها علامات الرضا وانتظار الموت، هي في حرب أشد قسوة من حروب الرصاصات والمدافع، أشد قسوة وبرودة من المخيمات والملاجئ، حرب محكوم عليها بالهزيمة والانكسار مهما حاولت وقاومت وكافحت فالنتيجة محسومة حتمًا ستخسر إما قلبها أو عقلها، وحتمًا ستشعر بالغربة بعد هزيمتها التي لا مفر منها، ولذلك هي صامتة تختبئ بالموسيقى، بالكتب، بالرقص والمسكنات، تختبئ من قسوة العالم، من قسوتها ومن نفسها.