القيم في زمن تسليع الإنسان

القيم في زمن تسليع الإنسان
شارك

مصطفى فاكر

لا تسألني يا صديقي: من أين نبدأ؟ فحالنا لا يسر عدوا ولا حبيبا، فقد انتشرت الأمراض و كثرت العلل في كل شؤون الحياة، ويكاد الثوب الذي يستر جسم الأمة يبلى، فقد تعددت به الخروق واتسع الخرق.

ضع أصبعك يا صديقي على أي شريان من شرايين حياتنا سوف ترى بأم عينيك دون الحاجة إلى مجهر، كم من الجراثيم و الميكروبات يحمل الدم وكيف تتذمر خلاياه.

في كل الوظائف الحكومية عبث وخلل وعدم الاكتراث والتراخي في العمل وتعطيل لمصالح الناس مستعملا القاعدة « ابذل أقل مجهود واحصل على الكثير و فكر في مصلحة نفسك أولا ».

أما في الاقتصاد والتجارة فاحصل على الربح السريع ولا تفكر في الوسيلة، ليكن عن طريق الغش والخداع والتدليس، ولا مانع أن تسرق ما في جيب الآخر، مادامت السرقة تقع في صورة بيع و شراء والسارقين الكبار يحصلون على الفاتورة و عفا الله عمن خطف…

أما في العلاقات الإنسانية فتحكمها المصلحة وتضبطها المنفعة والناس حول أصحاب المناصب كالذباب حول…. فإذا ما ذهب المنصب… فكأني لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس.

وحتى في مجال السياسة نجد النفاق والمكر عملة رائجة و خداع الشعوب جائز وضربها بسياط قسوة الحياة وبكثرة المتطلبات هو الضمان الأكيد لتمرير ما يريده المتربصون بنا من تخلف و ضياع و تشرد.

كل وجوه الحياة عندنا مشوهة ومشاريعنا في معظمها معطلة في الفلاحة والتجارة والسياسة، بل انظر حتى داخل الإنسان نفسه فسوف تجده خاويا من كل القيم النبيلة إلا الانتهازية واللصوصية: النضال عنده مجرد صور وحركات، لا ضابط ولا رقيب ولا وازع يمنعه من التمسح بأعتاب سيده وولي نعمته… قيم ضائعة ومبادئ تباع وتشترى في سوق النخاسة من أجل…. فلا تسألني يا صاحبي من أين نبدأ؟؟ حيث يمكن أن تبدأ إذا أردت الإصلاح من الموقع الذي أنت فيه، الداء حولك إن لم يكن فيك، فحاول إصلاح نفسك أولا ثم انتقل إلى ما حولك، ولا تيأس، فما عليك وما علينا إلا الإصلاح ما استطعنا إلى ذلك سبيلا!. فقط ينبغي أن يكون الإصلاح حقيقيا وأن يكون علاجا فعالا لا مجرد مسكنات، وأن تكون الحلول مبنية على وصفة حقيقية صادقة تحدد الداء وتصف الدواء، لا حلول عرجاء تستر ظواهر الأمراض ولا تستأصلها.

فمثلا ومنذ أيام خلت كثر الحديث عن تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتكافؤ الفرص وما شابهها من جمل رنانة و خطب طنانة تصدح بها قنواتنا التلفزة، لكن واقع الحال يعكس عكس ذلك حيث المرافق العمومية ازدادت عطالة والمشاكل ازدادت فظاعة ولم يبق إلا الفضائح والمصائب من كثرة القوانين، والأمور تسير من سيء إلى الأسوأ.

عجيب أمر الناس يقرأون التدخين ضار بصحتك ومع ذلك يصرون على التدخين، مرة رأيت ولدا لا يتجاوز عمره الثانية عشر ينفث دخان سيجارته، فلما نصحته بالابتعاد عنه، رد علي: يا أستاذ والله لو تكلمت لا فائدة، فلن أتوقف عن التدخين ولماذا أتوقف؟ و الكل يدخن! الوالد يدخن والوالدة تدخن والإخوة يدخنون… سكتت برهة وقلت : »يا بني إني لا أستطيع أن أنزع السيجارة من يديك غير أني أقول لك: احذر سوء العاقبة. ثم تساءلت بيني وبين نفسي من المسؤول عن هذه الأوضاع؟؟؟ ».

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *