ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻭﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﺮﺍﻧﻜﻔﻮﺭﺕ : ﻣﻦ ﺣﻠﻢ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﺟﺲ ﺍﻟﻨﻘﺪ
الجزء الأول
ﺑﻘﻠﻢ : ﺭﺑﻮﺡ ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ
ﻣﺪﺧﻞ ﺇﺷﻜﺎﻟﻲ :
ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻣﺮﻫﻮﻧﺔ ﻓﻲ ﺃﻓﻘﻬﺎ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻲ ﻭﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻠﻲ ، ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻣﺴﻌﻰ ﻓﻜﺮﻱ ﻳﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﺪﻡ ﻟﻨﺎ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻣﻌﺮﻓﻴﺔ ، ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﺧﺎﻟﺼﺔ ، ﺗﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﻤﻘﻮﻻﺕ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻭﻣﺘﻌﺎﻟﻴﺔ ، – ﺑﻐﻴﺮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻴﺔـ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ، ﻭﺗﺤﺖ ﻗﺼﻒ ﺍﻟﻮﻗﺎﺋﻊ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻄﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ / ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺣﺪﺛﺖ ﺭﺟّﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺸﺪﺓ ﻭﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ، ﺑﺪﺃ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺻﻮﺏ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ، ﻭﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺇﻧﺰﺍﻝ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﺎﺀ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺗﺠﺮﻳﺪ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﻬﺎﻡ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﺍﻟﻬﻴﺠﻠﻲ ﻭﻣﻦ ﻭﺍﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﻄﺮﺡ ﺍﻟﻜﺎﻧﻄﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ، ﻳﻠﺘﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻣﻊ ﺷﺨﻮﺻﻪ ﺍﻟﻤﺘﺤﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ، ﻣﻨﺨﺮﻃﺎً ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺍﺷﺘﺒﺎﻛﻴﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻜﺎﺋﻨﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺳﻌﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺤﻤﻮﻡ ﻭﺍﻟﺪﺍﺋﺐ ﻟﻜﻲ ﺗﺤﻘﻖ ﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﺠﺪﺩﺓ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭ .
ﺗﺠﺴﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﻌﻰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺟﻠﻴﺔ ﺿﻤﻦ ﺃﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﺮﺍﻧﻜﻔﻮﺭﺕ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳُﺴﻤﻰ ﺑﻤﻌﻬﺪ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﺣﻴﺚ ﻋﻤﻠﺖ ﻭﺍﺟﺘﻬﺪﺕ ﻓﻲ ﺇﺑﺪﺍﻉ ﺭﺅﻳﺔ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻤﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻣﻘﻮﻻﺕ ﻭﺍﻗﻌﻴﺔ ، ﻭﻹﻧﺠﺎﺯ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺴﻌﻰ ﺍﻟﺘﺰﻣﺖ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺑﺮﺑﻂ ﻭﺷﺎﺋﺞ ﺗﻮﺍﺻﻠﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﻣﺘﺠﻠﻴﺎً ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻫﻴﺠﻞ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ﻭﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﻧﺴﻖ ﻛﺎﻧﻂ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ، ﻭﻣﺘﺤﺎﻭﺭﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗَﺮﺗﺪ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺃﺳﻄﻮﺭﺓ ﻋﻮﻟﻴﺲ ، ﻭﻗﺪ ﺍﻧﺨﺮﻃﺖ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﺭﺍﺕ ﻣﺜﻤﺮﺓ ﻣﻊ ﻣﺪﺍﺭﺱ ﻓﻠﺴﻔﻴﺔ ، ﻛﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ، ﻭﻟﻢ ﺗﻜﺘﻒِ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺎﻃﻊ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ، ﺑﻞ ﺗﺪﺍﺧﻞ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻲ ﻣﻊ ﻧﺸﺎﻃﺎﺕ ﺗﺒﺪﻭ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻐﺮﺍﺋﺒﻲ ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻌﺮﻑ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻧﺰﻋﺘﻬﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ / ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ، ﻗﺪ ﺍﻫﺘﻤﺖ ﺑﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ ﻛﻤﺎ ﺗﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﺍﺷﺘﻐﺎﻻﺕ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺗﻴﻮﺩﻭﺭ ﺃﺩﻭﺭﻧﻮ .
ﻭﻧﺤﻦ ، ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ / ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻲ ﻭﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺨﺼﻮﺻﺔ ، ﻧﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺒﺤﺜﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﺮﺍﻧﻜﻔﻮﺭﺕ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ، ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﺍً ﺃﻭﻻً ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﺆﺩﺍﻫﺎ ﺃﻥّ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﺮﺍﻧﻜﻔﻮﺭﺕ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺸﻐﻠﺔ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﻣﺴﺎﺭﻫﺎ ﺑﺘﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ، ﻭﺛﺎﻧﻴﺎً ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺿﻴﺔ ﺗﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻣﺆﺩﺍﻫﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺷﺘﻐﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺘﺸﻴﺆ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ، ﻫﻲ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﻞ ﺍﻫﺘﻤﺎﻡ ﻣﻌﺮﻓﻲ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﺮﺍﻧﻜﻔﻮﺭﺕ ، ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻖ ﺍﻟﺜﻨﺎﺋﻲ ﺗﻐﺪﻭ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﺷﻜﻞ ، ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﺡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻻﺕ ﺇﻟﻰ ﻭﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻭﺃﻓﻖ ﺍﻟﺘﻘﻴﻴﻢ : ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﺃﺳﺎﺱ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺿﺒﻂ ﺇﻳﻘﺎﻉ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺑﻴﻦ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﺮﺍﻧﻜﻔﻮﺭﺕ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ؟ ﻭﻣﻦ ﻭﺣﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ ﺍﻟﺜﻨﺎﺋﻲ ، ﻧﺘﻘﺪﻡ ﺃﻭﻻً ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﻣﺪﻯ ﺣﻀﻮﺭ ﺍﻟﺘﻮﺍﺟﺪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺘﺠﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺣﻀﻮﺭ ﺩﺍﺋﻢ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺑﻬﺎ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ؟ ﺛﻢ ﺛﺎﻧﻴﺎً ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺷﻜﻞ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻘﻄﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﺪﺛﺖ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺳﻌﺖ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻧﻔﺘﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺁﻓﺎﻕ ﺑﺤﺜﻴﺔ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ ﻭﺛﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﻘﻮﻻﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ ﻭﺃﻳﻀﺎَ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﻨﺎﻫﺠﻬﺎ ﻭﺭﺅﺍﻫﺎ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳﺔ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺃﻥ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﺧﻄﺎﺑﺎً ﻓﻠﺴﻔﻴﺎً ﻣﺘﻤﻴﺰﺍً ﻓﻲ ﻃﺮﺣﻪ ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﺘﻮﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ؟ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺴﺪ ﺗﻤﻴﺰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻭﺟِﺪﺓ ﻓﻬﻤﻬﺎ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﻭﻣﻘﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻄﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﻼﺳﻴﻜﻲ ﻭﺳﺘﺎﺗﻴﻜﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺭﺅﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ، ﻟﻌﻠﻬﺎ ﺗﺴﻌﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻷﻋﻄﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﺎﻝ ﺑﻨﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ؟ .
-1 ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻴﺔ :
1-1 – ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ :
ﻣﻦ ﻧﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﻧﺘﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﺖ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻋﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﻭﺃﺳﺲ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ، ﻭﺃﻏﻠﺐ ﺍﻟﺪﺍﺭﺳﻴﻦ ﻟﻠﻤﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻣﻨﻈﻮﻣﺘﻪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺠﺪﻟﻴﺔ ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺸﻲ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻬﺘﺪﻱ ﺑﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ، ﻭﺑﺮﻏﻢ ﺫﻟﻚ ﻭﺑﺠﻬﺪ ﻣﺘﻮﺍﺿﻊ ، ﻧﺠﺘﻬﺪ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺼﻐﺮﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ .
ﻓﻬﻲ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻣﻌﺮﻓﻴﺎً ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺇﻟﻰ ﻃﺒﻘﺘﻴﻦ ، ﺣﺴﺐ ﺗﻄﻮﺭ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ، ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺒﻮﺭﺟﻮﺍﺯﻳﺔ ، ﻭﺗﻘﺎﺑﻠﻬﺎ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﻀﺎﺩﺓ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﻤﺎﻟﻴﺔ » ﺍﻟﺒﺮﻭﻟﻴﺘﺎﺭﻳﺎ ، » ﻭﻗﺪ ﺍﺗﻜﺄ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻤﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺗﺒﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻢ ، ﻭﺑﻔﻀﻞ ﻓﺎﻋﻠﻴﺘﻪ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﻌﻴﻞ ﺍﻟﺤﺮﻛﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ، ﺍﻋﺘﺒﺮﺕ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﺃﻥّ ( ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻚ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺗﻬﻴﻤﻦ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻯ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺮﻡ ﻣﻦ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ . ﻏﻴﺮ ﺃﻥّ ﻇﻬﻮﺭ ﻗﻮﻯ ﻣﻨﺘﺠﺔ ﻭﻣﺎﻟﻜﻴﻦ ﺟﺪﺩ ﻟﻘﻮﻯ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ، ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻲ ﺇﺩﺧﺎﻝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﺗﻨﺎﻗﻀﺎﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ . ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﺗﺠﺎﻩ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻠﻬﻴﻤﻨﺔ ﺗﺤﺪﺩﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺼﺎﻋﺪﺓ ) . [ 1 ]
ﻭﻟﺌﻦ ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﻀﺢ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ، ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻌﻰ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻘﻌﻴﺪ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ، ﺇﺫ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﺑﺮﻣﺘﻬﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻀﻤﻦ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﻓﻀﺎﺀ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺟﻮﻫﺮﻩ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻓﻮﻗﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﺷﺮﻃﻴﺔ ﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺴﻔﻠﻲ ، ﻭﻫﻲ ﺗﺒﻌﻴﺔ ﺣﺘﻤﻴﺔ ، ﻧﻈﺮﺍً ﻟﻜﻮﻥ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻭﺩﺭﺟﺔ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻌﻜﺲ ، ﻓـ ( ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻳﺠﺪ ﻧﻈﻴﺮﺍً ﻟﻪ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻭﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻱ ، ﻫﻮ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﺮﺁﺓ ﺗﺠﺴﺪ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ) [ 2 ] .
ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻠﺨﻴﺺ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻲ ﻟﻠﺪﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﻌﺒﻪ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ : ( ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺘﻨﺎ ﻟﻠﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺃﻥّ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻳﻔﺴﺮ ﺑﺎﻟﺘﺮﺍﺑﻂ ﺍﻵﺗﻲ : ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺼﻨﻌﻮﻥ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﺄﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ، ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬﻢ . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﺗﺤﺪﺩﻫﺎ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ . ﺭﺃﻳﻨﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﺴﺮ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻱ ﺇﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺘﻬﻢ ، ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺳﻂ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ﺗﺤﺪﺩ ﺑﺪﻭﺭﻫﺎ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ، ﺃﻱ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﺑﻨﻤﻂ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ) . [ 3 ]
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻠﺞ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻓﻬﻢ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﺷﺘﻐﺎﻝ ﺣﺮﻛﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ، ﻧﺠﺪ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﺮﺯﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺻﻌﻮﺩﻫﺎ ، ﻭﺗﺤﻮﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺎﻡ ﻋﺎﻟﻤﻲ ، ﺑﻔﻀﻞ ﺣﺎﺟﺘﻬﺎ ﺍﻟﻤﻠﺤﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﺩ ﺧﺎﻡ ﺭﺧﻴﺼﺔ ﻭﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎﻭﻝ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ، ﻭﺑﺤﺜﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺫﺍﺗﻪ ﻋﻦ ﺃﺳﻮﺍﻕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ، ﻛﻲ ﺗﻤﺘﺺ ﺍﻟﻔﺎﺋﺾ ﺍﻹﻧﺘﺎﺟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻴﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺮﻳﻔﻪ ﺩﺍﺧﻠﻴﺎً .
ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ، ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻏﻤﺮﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ، ﻭﺩﻓﻌﺖ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺨﻮﻡ ﺍﻟﻬﺎﻭﻳﺔ ، ﺣﻴﺚ ﺗﺤﻮﻝ ﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻋﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺒﻮﺭﺟﻮﺍﺯﻳﺔ ، ﻭﺳﺎﺩﺕ ﺑﻔﻌﻞ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻠﻜﻴﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺘﺸﻴﺆ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻊ ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﻉ ﻭﺍﻟﺒﺆﺱ ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻠﻬﺎ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﻭﻣﻔﺎﻋﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻮﺀ ﺍﻷﻧﻄﻮﻟﻮﺟﻲ ، ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﻜﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ، ﻷﻧﻬﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻤﺮﺷﺤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﺤﺪﺙ ﺛﻮﺭﺓ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻟﻲ ، ﻟﻜﻲ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻨﺒﻮﺀﺓ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﺑﺘﻘﻮﻳﺾ ﻛﻠﻲ ﻭﻧﻬﺎﺋﻲ ﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ، ﻭﻫﻲ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻣﺪﻋﻮﺓ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺎً ﻛﻲ ﺗﺘﺒﻨﻰ ( ﺃﻓﻜﺎﺭﺍً ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻭﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﺄﺱ ، ﺗﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻀﺎﻝ ، ﻭﻻ ﺗﺸﻴﺮ ﺑﺎﻻﺳﺘﺴﻼﻡ ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺛﺎﻧﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ، ﺑﻞ ﻫﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻭ ﻣﻮﺕ ، ﻷﻧﻬﻢ ﻟﻦ ﻳﺘﺤﺮﺭﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻻﺿﻄﻬﺎﺩ ﺍﻟﻄﺒﻘﻲ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻓﻜﺮﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﻤﻜﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮﻩ ﻓﻌﻼً ) . [ 4 ]
ﺇﻥّ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺣﺪﺛﺘﻪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻃﺎﻝ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﺣﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ، ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﻫﻞ ﺃﻭ ﻣﺴﺎﺭ ﺍﻟﻨﺴﻴﺎﻥ ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻧﺪﻓﻊ ﺑﻪ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﻓﻲ ﺛﻘﻮﺏ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ . ﻷﻧﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺸﺘﻐﻞ ﻓﻜﺮﻳﺎً ﻭﻓﻠﺴﻔﻴﺎً ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﺪﺍﺭ ﺑﺤﺜﻲ ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﺘﻘﺎﻃﻊ ﺑﻘﻮﺓ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺿﻐﻂ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻛﺴﻴﺔ ، ﻓﻬﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺖ ﻟﻨﺎ ﺗﺮﺳﺎﻧﺔ ﻣﻜﺜﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ، ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻣﺼﺪﺭﺍً ﺛﺮﻳﺎً ﻭﺧﺼﺒﺎً ، ﺃﺳﻌﻔﻬﺎ ﻓﻲ ﺇﻏﻨﺎﺀ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺇﺛﺮﺍﺀ ﻣﻜﺘﺴﺒﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳﺔ ، ﻭﻣﺎﺯﺍﻟﺖ ﻟﺤﺪ ﺍﻵﻥ ﺗﺪﻳﻦ ﻟﻬﺎ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﺠﺰ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ .
ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﺘﻘﺎﻃﻊ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻳﺠﺐ ﺃﻻ ﻳُﻘﺮﺃ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﺡ ﻭﺍﻟﺘﺠﺎﻧﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳُﻮﺿﻊ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ، ﻷﻥّ ﺍﻟﻤﺴﻌﻰ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺨﺮﻃﺖ ﻓﻴﻪ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﺮﺍﻧﻜﻔﻮﺭﺕ ﻫﻮ ﻣﺴﻌﻰ ﺗﺤﻠﻴﻠﻲ ، ﻭﺑﺎﻟﻤﻮﺍﺯﺍﺓ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻧﺪﻣﺠﺖ ﻓﻲ ﺟﻬﺪ ﻧﻘﺪﻱ ﻳﺮﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻛﺘﺸﺎﻑ » ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻷﻋﺮﺍﺽ ﺍﻟﻤﺮﺿﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺎﺑﺖ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﻛﺎﻟﺘﺸﻴﺆ ﻭﺍﻻﻏﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﺼﻨﻤﻴﺔ ، ﻣﻤّﺎ ﺣﺪﺍ ﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻤﻮﺍ ﻧﻘﺪﺍً ﺣﺎﺩﺍً ﻟﻴﺘﻮﺑﻴﺎ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺘﻘﻨﻲ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺒﺸﻴﺮﻳﺔ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﺣﻼﻡ ﺍﻟﻤﻮﻋﻮﺩ ، ﻛﻤﺎ ﺍﻧﺘﻘﺪﻭﺍ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻪ ﺍﻟﻨﺰﻋﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻛﻄﺒﻴﻌﺔ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ . »… [ 5 ]
ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻋﻮﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻤّﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺑﻴﻦ ﺭﺅﻳﺔ ﻛﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ ﻭﻣﺪﺭﺳﺔ ﻓﺮﺍﻧﻜﻔﻮﺭﺕ ، ﻟﻜﻲ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺍﻟﺘﻌﺎﻟﻖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ ﻓﻲ ﺁﻓﺎﻕ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﻭﺃﺑﻌﺎﺩ ﺍﻟﻨﻘﺪ .