الجهر بالإفطار بين الشريعة والقانون والناس: سوء فهم وجب تصحيحه.

الجهر بالإفطار بين الشريعة والقانون والناس: سوء فهم وجب تصحيحه.
شارك

بقلم سدي علي ماء العينين.

طلب مني من بعض متتبعي مقالاتي، أن اكتب عن واقعة الدار البيضاء، وضبط رجال الامن لمواطنين يتناولون وجبات في نهار رمضان.

في كل سنة يتكرر هذا النقاش وتتباين حوله الآراء وتختلف ، ولا أحد نظر الى الامر من زاوية سلطة المجتمع  بغض النظر عن كونها عادلة أو مجحفة،  وبعيدا عن سلطة الدين ، ولا عن ممارسة الحريات الفردية .

لوضع هذه النازلة في سياقها القانوني، وجب توضيح المسلمات  التالية:

 – المغرب دولة اقرت الاسلام في هويتها،  ولكنها لم تجعل القرآن دستورا بل جعلته مرجعا في وضع قوانين يتضمنها الدستور.

 – هذا الدستور صادر عن رمز ديني هو أمير المؤمنين،  وعرض للتصويت من طرف المواطنين،  فاصبح ملزما للأغلبية والاقلية وفق حكم الاغلبية. ووفق تعاقد مجتمعي هو الدستور.

 – وهناك قوانين وقيم دولية يمكن أن يعتقد بها أي مواطن ، لكنها غير ملزمة للمجتمع مادامت الدولة لها دستورها ، و تعاملها مع القوانين الدولية انها لا تسمو على الدستور، لان الدولة اعطت لنفسها الحق في المجتمع الدولي أن تقبل ببعض القوانين وترفض اخرى وفق رؤيتها لمجتمعها الذي تحكمه وفق دستور مر عبر استفتاء شعبي.

 – وهناك الاحكام الدينية  التي وان كانت  تشكل مرجعا  للمواقف والشعائر،  إلا انها لا تحل محل الدستور ، لان الدولة لا تحكم بالقران ولكن بقانون وضعي يستمد بعض سننه من الشريعة  ، القران والسنة.

 السؤال الصعب في الممارسة داخل المجتمع، هو:

هل نخضع السلوكات للمرجعية الدينية، أو الرغبات الفردية ، ام لسلطة القانون الذي هو الدستور ؟

والذين يتهربون من هذا النقاش،  يجدون مبرراتهم في تغليط الرأي العام من زاوية تناول الموضوع. ذلك أن هناك فرق بين الحكم على السلوك، والحكم على مكان ممارسته،  فرق بين سلوك بين الانسان وربه، وبين المواطن ومجتمعه.

فالصيام في الشريعة هو من حدود الله، وكما جاء في القرآن الكريم ، فمن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه ، و المقدم على الافطار في رمضان يكون فعله في الشريعة بينه وبين خالقه، ولا حكم عليه، إلا إذا ثاب و أراد التكفير عن ذنبه،  فإن الله وضع له تشريعا بين الصيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا.

هنا الدولة عبر دستورها احترمت منطق الشريعة ، ولم تضمن دستورها اية عقوبة للمفطر في رمضان، مادام الدستور يعتمد الشريعة مرجعا. ولو بالانتقاء.

فعلى ماذا يعاقب القانون الوضعي الذي هو الدستور ؟

 الدستور يعاقب على سلوك يرى فيه مسا بتماسك المجتمع الذي يحكمه ، و المس بالتماسك هنا مفهوم نسبي متوافق عليه وفق بنود الدستور ، و نقصد هنا الاجهار  بالصيام ممارسة ، أما حتى القول به لا يوجد نص صريح يقننه اللهم تأويل القانون بخلفية التحريض .

               ينُص الفصل 222 من القانون الجنائي في المغرب على أن كل شخص عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، و تجاهر بالإفطار في نهار رمضان، بمكان عمومي، دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر

اذا الدستور هنا لا ينفذ حكما شرعيا على عدم الصيام ،  لانه غير موجود اصلا، و التشريع فيه مرتبط بسلوك الفرد اتجاه خالقه.

اما من يقول بأن هذا القانون الدستوري فيه مس بالحريات الفردية وفق القوانين الدولية ، فإن الدستور بسلطته المجتمعية كوثيقة تعاقدية بين أفراد المجتمع هو الملزم للمواطنين المغاربة مهما سمت عليها القوانين الدولية ما لم تصادق عليها الدولة.

فالمعتقلون في هذه النازلة،  ليس لانهم افطروا  ولكن وفق القانون لانهم مارسوا عملية الافطار في مكان عام.

وهنا نقف عند مفهوم له سلطته،  وهو المرفق العام ، والمكان العام،  اخدين مثلا الممارسات الجنسية ، والتي اتفقت القوانين الكونية و الدستور والشريعة على أن مكانها الطبيعي هو الفضاءات المغلقة، ولا يحق مطلقا ممارستها في الاماكن العمومية ، وانا هنا لا اتكلم عن القبلة او العناق الذي تعتبره بعض القوانين خدشا للحياء العام. بل إن حتى ظهور هذا السلوك من شرفة المنازل “ البالكونات” يعتبر في المكان العام.

لذلك فعمليات ضبط الممارسات الجنسية في الشقق مثلا ، لا تتم  من طرف الدولة من تلقاء نفسها، لكن بالاعتماد على شكاية المجتمع،  وهي هنا الزوج او الزوجة لضبط حالة خيانة، أو الجيران ليس لتهمة الفساد ولكن للضجيج والازعاج،  وبعد الضبط تتم ملائمة الاوضاع وفق قوانين الفساد وشرب الخمر وحيازة المخدرات والى ما ذلك.

و في المحصلة، ما وقع بالبيضاء كسلوك هو مخالفة القانون،  بغض النظر هل له علاقة بشعائر دينية او قوانين دولية.

نأتي إلى نقاش آخر يتعلق  بما قيل عن فحص الشابات للتأكد من كونهن  يمرن من فترة العادة الشهرية. هنا وجب التنبيه إلى خطورة هذا السلوك الذي يغير مجرى المتابعة بشكل كلي، ويضرب عرض الحائط بكل ما سبق تقديمه في الفقرات السابقة.

ذلك أنه اذا كان المتابعون تهمتهم هي الافطار،  فإن الفتيات يقدمن مبررا شرعيا لإفطارهن،  وهنا يمكن للسلطة التي تتابعهن بتهمة الافطار التأكد من ما يثبت انهن مخول لهن شرعا الافطار.!!!!

لكن نحن هنا كما قلنا منذ البداية،  أمام تهمة الجهر بالإفطار، والقانون كما قلنا يعاقب على السلوك ولا يهتم بأسبابه كانت شرعية او مرضية او موقفا سياسيا او سلوكا فرديا وفق قناعات.

فما تم هو عبث بكل المقاييس ، ولا مرجعية له في كل جوانب التشريع.

هناك عبث آخر في الواقعة ، وهو أن القانون المغربي لا يفرض الاغلاق على المطاعم في رمضان، وفلسفته في ذلك أن المطاعم يمكن لها تقديم الاكل للأجانب الغير محكومين بالدستور المغربي، لكنه يحرم ولوج هذه المطاعم للمغاربة المعتنقين للديانات الاخرى،  وللمغاربة المصابين بأمراض تبيح الافطار، أو عذر شرعي كالعادة الشهرية.

فالقانون هنا اعمى يحكم على الظاهر غير معير اهتماما للمبررات،  مثل من تابع رجلا قبل ابنته في الفضاء العام،  ويعتقل بتهمة خدش الحياء  العام، لان المجتمع يحاكم الظواهر التي ستقود الفاعل إلى مخفر الشرطة وبعدها يطلق سراحه  بعد تأكيد القرابة.

 وبالعودة إلى واقعة البيضاء، فهناك جزئية صغيرة، لا يتم تناولها عند غالبية المعلقين على الحادث ، وهي :

كيف وصل رجال الامن إلى المقهى؟ هل بناء على شكاية؟ ام وفق دورية عادية للشرطة مرت بالمكان ؟

وهنا يقفز سؤال آخر:

هل الافطار تم بالمقهى وهي مغلقة الابواب رغم وضع الكراسي بالواجهة؟ ام العملية تمت بفضاء مفتوح وابواب مفتوحة؟

هنا قد يكون الاصل في الواقعة هو ضبط صاحب مقهى مفتوح،  ربما لوجود قرار عاملي للإغلاق كما هو حال محلات بيع الخمور في رمضان والاعياد الدينية، أو لان القانون لا يمنع الاغلاق لكنه يمنع اعداد الوجبات للمسلمين مثل الخمر تماما!!!!

في المحصلة، هناك دستور يلزمنا جميعا لاحترامه،  والاقلية التي تراه لا يتوافق مع قناعاتها عليها بالنضال لتغييره،  و الانضباط له مادام مشرعا.

وهذه النازلة لا علاقة لها بالإفطار، بل هي مرتبطة بالجهر بالإفطار،  أما الافطار في رمضان فهو فعلا في الدين قبل القوانين الوضعية حرية فردية، وضعها الاسلام في اركانه، لكنه لم يحدد عقابا لمخالفتها و لكن توعد من خالفها في الاخرة، أما في الدنيا فالفدية لمقترفها ان أراد التكفير عن ذنبه، وهي امر بين المسلم وخالقه، ولا دخل لاحد فيها ولو ولي الامر.

ان كل الحريات الفردية مكفولة في فضاء يخص الفرد ، لكن كلما تمت  بفضاء يخص باقي الافراد فان ما تعاقد عليه الافراد في المجتمع هو السائد بغض النظر عن مرجعيته اكانت دينية او كونية،  وبالتالي فإن الجهر بالإفطار في رمضان يجب فصله عن الافطار،  وأن عقوبات الجهر يجب فصلها عن حكم الدين …

أليس أكثر الحقوقيين بالعالم هم من يقولون ان حريتك تنتهي عندما تمس بحرية الاخرين؟

حرية الاخرين في هذه النازلة هم اغلبية صادقت على دستور عرض عليها وضمنته جرم الجهر بالإفطار،  وعلى الاقلية أن تحترم قرار الاغلبية في الفضاء المحكوم بالتعاقد،  وأما في الحياة الخاصة ،فكل حر في سلوكه  لان الاسلام كان صريحا حين اعتبر الصيام من حدود الله و التي من يتعداها فقد ظلم نفسه،

ونحن نقول من تعداها جهرا ظلم المجتمع، لذلك يتدخل القانون.

فهل تعتبرون؟

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *