جزائر الأوهام ومغرب الآمال

جزائر الأوهام ومغرب الآمال
شارك

عبد العزيز شبراط

لم تستطع الجزائر ايجاد النموذج الذي يخلصها من الماضي، فمنذ رحيل الهواري بومدين، وهي تتخبط في المواقع المتحركة، دون أن تجد لها موقعا ثابتا، وازدادت أمورها تعقيدا بعد انهيار جدار برلين، فأصبحت كالغراب، لما حاول تقليد مشية الحمامة، فعجز عن ذلك و ضيع مشيته، ووجد نفسه أمام وضع لا يحسد عليه، ولعل قصر النظر لديها، هو ما جعلها تقف عند الجدار، فلا هي رممت ما كان يجب ترميمه بعد سقوط الجدار، ولا هي اتخذت لنفسها نموذج جديدا، يمكنها من الزعامة الاقليمية التي طالما حلمت بها، وعوض أن تنفتح على التطورات التي تقع في العالم، خلقت لنفسها ضرسا مريضا في آخر فكها، ظنا منها أنه سيكون سدا، في وجه جارتها المغرب، الذي ترى فيها المنافس الوحيد والأوحد، للوقوف دون تحقيقها الزعامة الاقليمية، والتي ظلت تبحث عنها في غير مكان وجودها، وأصبح الضرس المريض الذي خلقته عائقا كبيرا في وجهها، وأصبح كالرضيع، الذي لا يستطيع الاعتماد على ذاته، ولا يترك أمه تهتم بتنفيذ أشغالها، بينما الجار الذي اعتقدت أن الضرس سيشغله عن الأهم، تجاوز كل التعثرات والأشواك التي وضعت في طريقه، ونجح في خلق نموذج قابل للتصدير، فيما فشلت الجزائر في ترتيب بيتها وشغلت نفسها بعلاج ضرسها المريض، الذي لا تشفى منه إلا بخلعه، لكن المغرب نجح في الانفتاح على إفريقيا بشكل غير مسبوق، وأصبح رائدا في العديد من المجالات، وفي هذا الصدد قد أشارت المجلة الفرنسية  » لو بوان » الى أسس هذه الريادة حيث حسب “لوبوان”، فإن المملكة حققت “انطلاقة بديعة نحو إفريقيا”، من خلال اندماجها داخل القارة وانتشارها كقوة افريقية، سواء ضمن نطاق هويتها الخاصة أو في فضاء الامتداد الخاص بها، مشيرة إلى أن هذا الاندماج يقوم بشكل أساسي، على الرافعة الدبلوماسية وعلى استراتيجية “تختلف بشكل واضح عن الماضي”. وأضافت المجلة الفرنسية أن “عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في 2017 والدعم المتزايد من الدول الافريقية للاعتراف بمغربية الصحراء – افتتاح 15 بلدا لقنصلية بالأقاليم الجنوبية في 2020 – أثارت وعيا بدينامية جارية بالفعل منذ سنوات”، مشيرة إلى أن الريادة المغربية تقوم، أيضا، على دبلوماسية ثنائية ومتعددة القطاعات، في ضوء الزيارات الملكية المتعددة لدول القارة.  كما ذكرت  » لو بوان »، أنه في ظرف 15 سنة، بين 2001، تاريخ أول زيارة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى موريتانيا، و2016 تاريخ طلب العودة إلى الاتحاد الإفريقي، قام جلالته بأربعين زيارة بالقارة، مؤسسا لإطارات تعاون متعدد القطاعات، تتماشى مع أولويات البلدان الفرنكوفونية. ولا أحد ينسى ما قاله صاحب الجلالة في هذا الصدد، حيث أكد  أن المغرب أصبح يتمتع بخبرة ودراية تجعله قريبا من أفريقيا « وسوف نستخدم كل ما يتوفر لدينا من أجل إفادة الشعوب الأفريقية منها لأننا نؤمن بوحدة المصير وبالمصلحة المشتركة، بالرغم من الصعوبات التي نراها الآن ». وهكذا فعلى المستوى الاقتصادي نجح المغرب في خلق الاستثمارات الكبرى في القرى والحواضر، وبشكل متعدد في البنيات التحتية، وفي مجال الأبناك والفلاحة والصناعات الغذائية والاتصالات، مما جعل شركات خاصة تبدي رغبتها في الانخراط الكلي  في هذه المشاريع، وتسعى لتقديم خدماتها خارج الحدود، وبناء الاستثمارات في الأسواق الجديدة بالقارة الافريقية، حتى أضحت المملكة المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس أول مستثمر إفريقي في غرب إفريقيا والثاني على المستوى القاري بعد جنوب إفريقيا، ولم يتوقف الأمر عند سلم الاقتصاد وحسب، بل تجاوزه إلى الأمن الروحي، حيث تم التعاون في المجال الثقافي والديني، وذلك ببعث مجموعة من الأئمة الى الدول الافريقية المتدينة بالدين الاسلامي لتأطير الأئمة بها، و نشر تعاليم الاسلام المعتدل في خطوة بارزة للوقوف، في وجه الجماعات المتطرفة.

وماذا عن الجزائر؟ فقد كشف تبون عن فشله في تدبير الشأن العام المتأزم ببلاده، وأثبت أن التاريخ تجاوزه وأصبح من الصعب بمكان، لكي يجد له موقعا في هذا العالم الذي يتطور بسرعة لا يستطيع مثله مجاراتها، فلا الجزائر حلت مشاكلها ولا هي عالجت ضرسها المريض، وما قدمته الى المنطقة هو فقط إطفاء شعلة الاتحاد المغاربي، كما قال صاحب الجلالة في خطابه الموجه للأفارقة : « من الواضح، أن شعلة اتحاد المغرب العربي قد انطفأت، في ظل غياب الإيمان بمصير مشترك ».

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *