حكاية ندم

حكاية ندم
شارك

حكاية للأطفال

 ذ عبد العزيز شبراط

ظلت زهراء ترعى ولدها سليمان، وتحرم نفسها من متاع الحياة ، كاستمتاعها بالحديث  مع جاراتها حول صينية الشاي، أو تبادل الرأي معهن بشأن مستجدات الألبسة والأطعمة، كما النميمة في بعضهن البعض؛ أو متابعة المسلسلات، كل ذلك الحرمان الذي تعانيه زهراء هو بالأساس من أجل تلبية حاجات ابنها سليمان وتمكينه من كل ما يحتاجه، كانت دوما حريصة على أن تستيقظ قبله بساعة أو أكثر، رغبة منها لتهيئة  فطوره وتحضير مستلزماته الدراسية، فهو كثير النسيان ومتهاون، وغالبا ما يذهب للمدرسة دون انجاز واجباته،  الشيء الذي كان يقلق زهراء ويشعرها بالحرج الكبير؛ كم من مرة  اتصلت بها معلمته تحتج على عدم انجاز واجباته المنزلية، أو نسيان بعض دفاتره أو أدواته.

رغم كل ما يظهره سليمان من تهاون وعدم الاكتراث بواجباته واهتمامه بالمدرسة، ظلت أمه زهراء متشبثة بأمل تغيير سليمان الى الأحسن، كما أمنت أنه سيدرك يوما ما مدى أهمية المدرسة والتعلم، وكانت كلما بدا منه تصرفا غير لائق، تحدث نفسها قائلة:  » إنه ما زال طفلا صغيرا على فهم هذه الأمور وقريبا سيدرك مغزاها ويشمر على ساعديه ويصبح أستاذا أو طبيبا إن شاء الله ».

وتتواصل الأيام، والأم تصر على مواظبة ما تقوم به تجاه سليمان، بينما هو  يصر على معاكسة أمه والاستمرار في التهاون والكسل، وكره المدرسة والمدرسين، الى أن استفاق يوما على عزله من المدرسة، ولم يبق أمامه من مسلك سوى معانقة الشارع العام، أو الذهاب الى إحدى الورشات الحرفية ليتعلم حرفة قد تنفعه يوما ما، أما  أمه المسكينة لم تفقد الأمل في سليمان وعقدت العزم على أن تذهب به إلى مدارس التكوين المهني عوض الالتجاء الى بعض ورشات الحرف، كانت تعرف جيدا أن تلك الورشات قد لا تنفعه كما ترغب أو قد يتعلم أمورًا تضر به وبمستقبله.

وهكذا عملت المسكينة بكل طاقاتها وجهدها، حتى تمكنت من تسجيله بإحدى مؤسسات التكوين المهني المتواجدة  جوار منزلها ، لكن سليمان لم يعجبه الأمر وقبل بذلك على مضض، وكأنها تجره جرا الى حتفه . بينما أمه المسكينة لا يهمها شيء سوى مصلحته و إنقاذه من شبح البطالة ،الذي أصبح قريبا منه وهو لا يدري.

كان خوفها على مستقبل سليمان هاجس يومي لا يفارقها، رغم معاناتها من أجل توفير كل حاجاته ومستلزماته، فقد غادرها أبوه بدون رجعة وتركها وحيدة مع سليمان دون معيل، فامتهنت العمل كخادمة في البيوت، حتى توفر لها ولسليمان الحاجات الضرورية للحياة من مسكن ومأكل وملبس، فهذه المعاناة  جعلتها تصر بكل جهدها ليتعلم سليمان، ولكن سليمان لم يكن يعي هذه الأمور، كما لم يكن مدركا للحياة، التي تنتظره غدا حينما يصبح رجلا، ويجد نفسه دون مصدر رزق يكفيه حاجاته الضرورية للحياة.

ومرت الأيام  والأم تجهد نفسها لتلبية حاجاتها وحاجات سليمان، وفجأة تدهورت صحتها نتيجة  مرض خبيث أصابها ولم تستطع مواجهته، حيث لم يمهلها كثيرا، ليجد سليمان نفسه وحيدا في هذه الدنيا، ولم يجد أمامه من مفر سوى امتهان التسول للعيش، حينها ، أدرك ما كانت تعانيه المرحومة زهراء أمه ليتعلم،  أدرك ما مدى حجم التنبيه  والنصائح التي كانت معلماته ومعلموه  يقدمونها له وهو في عالم أخر يلهيه عن التعلم والاجتهاد وإنجاز واجباته،  فلم يجد أمامه من مخرج سوى الندم، فأدرك أخيرا أن الوقت قد فاته ولن ينفعه الندم.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *