زوبعة الشهادة الطبية المفبركة بالدار البيضاء والسؤال عن الأخلاقيات؟
فؤاد الجعيدي
أن يصل الفساد إلى شهادة طبية، وبغاية تحريف الوقائع أمر في منتهى الخطورة، لأن تداعيات ترسيم معطيات كاذبة، للتأثير في مجرى البحث القضائي، قد يهيئ السياق الموضوعي للزج ببريء في غياهب السجن.
هذه الواقعة التي كان مستشفى الحي الحسن مسرحا لأطوارها، حيث الممرضة أحدثت جرحا وعن عمد، في رأس مواطن، وعملت على رتقه بعشرين غرزة لتتمكن بعدها الطبيبة من صياغة شهادة طبية تحدد العجز البدني ب28 يوما.
ولولا يقظة ونزاهة سرية الدرك الملكي، لأصبح المظلوم ظالما وفق القرائن الطبية، التي يتم التعاطي معها انطلاقا من طبيعة مهنة الطب التي تحكمها الأخلاق والضمير المهني والقسم الذي يؤديه الأطباء ساعة الحصول على شهادة دكتوراه الدولة في العلوم الطبية.
حمدا لله أن العديد من الأطباء، يستحضرون الوازع الأخلاقي في القيام بمهامهم، بل أثبتت جائحة كوفيد 19 أنهم كانوا في الجبهة الأمامية للتصدي للفيروس اللعين، لما بلغ ذروته في السنة الأولى واسترخصوا أرواحهم للقيام بالواجب المهني، وفقدنا العشرات من خيرة الأطباء وأستاذة الطب في العديد من التخصصات والذين استرخصوا حياتهم ليعيش الآخرين.
ومنهم من اكتسب قناعات إنسانية، ليكون في خدمة المعوزين ورفع المعاناة عليهم، ومنهم من يساهم في قوافل طبية ودون تردد في المناطق البعيدة والمسالك الوعرة، ولا يسعون لمراكمة المال والثروات على حساب آلام الغير.
وقد ظلت صورة الطبيب في كل الثقافات والحضارات الكونية أنه الحكيم، الذي ينقذ أرواح الناس في ساعات الشدة، وظل الناس يصبغون كل من يتعاطى لمهن الطب، بصفات ما فوق بشرية، بل لا نتردد في تسليم ذواتنا لهم في العمليات الجراحة لأنهم وحدهم من يتكلف بهذه الأمانة ويرعاها.
ونقول بدون مبالغة أن علاقتنا بالطب والأطباء اكتسبت ولا زالت نوعا من التقديس والاحترام قل مثيله في مهن أخرى..
ومن هذه المنطلقات لا نستسيغ، أن نجد طبيبا ينزاح عن هذه المثل والفضائل كما وقع في حالة الطبيبة، التي غشت في شهادة طبية، مستهدفة التحريف والتزوير.
الهيئة الوطنية للأطباء، تبذل جهودا لتحصين المهنة، وترسيخ قيمها الأخلاقية، والشروط التي تمارس فيها، وعلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، باعتبارها وصية على الصحة أن تستحدث شعبة داخل الوزارة تعنى بالأخلاق، والرصد لكل ما يسيء لمهن الطب من ممارسات، لا سيما أننا في مرحلة البحث عن نموذج اجتماعي يلائم في مقتضياته الاتجاه نحو العدالة الاجتماعية وحماية الكرامة الإنسانية.
لم يعد بالإمكان تغطية الشمس بالغربال، هناك أطباء ينسجون علاقات مع السماسرة، في تسليم الشواهد الطبية الخاصة برخص السياقة، يعمدون إلى احتكار السوق في غياب قانون ينظم الكوطا بين الأطباء المرخص لهم من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ولا يلتزمون في الفحوص الطبية من القيام بكل الإجراءات المطلوبة في التشخيص من مثل الحصول على تحليلات الخزان وفحص العيون، بل يؤشرون على كل هذا بالعيوب المذكورة.
لقد حان الوقت أن تتحمل الوزارة الوصية مسؤوليتها في إعداد النصوص القانونية:
لمحاربة الاحتكار، وقطع الطريق على شبكة السماسرة التي تنشط في هذا المجال وتخلق العلاقات ويصبح لها تأثير سيء على المهنة، وأن تعمل السلطات العمومية على تشديد المراقبة من أجل التطبيق السليم للنصوص الناظمة والضابطة للممارسة الطبية.
وأن تساهم الجمعيات الحقوقية كما تفعل في تسليط الضوء على كل ما يتنافى، والقيم الإنسانية والعمل على صيانتها من كل تلاعب مفترض.