« .لا تجبر السمكة على تسلق الشجرة «
محمد الزهراوي
أين تبدأ، في النهاية، حقوق الإنسان العالمية؟ في أماكن صغيرة قريبة من المنزل – قريبة لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها على أي خريطة للعالم. ومع ذلك، فهي عالم الإنسان الفرد: الحي الذي يعيش فيه؛ المدرسة التي يذهب إليها؛ المصنع أو المزرعة أو المكتب الذي يعمل فيه. تلك هي الأماكن التي يلتمس فيها كل رجل وامرأة وطفل العدالة المنصفة، وتكافؤ الفرص، والكرامة المتساوية دون تمييز. وما لم يكن لهذه الحقوق معنى في تلك الأماكن، فلن يكون لها معنى في أي مكان آخر. ولولا تضافر عمل المواطنين لدعمها بالقرب من المنزل، فسوف يكون بحثنا عن التقدم في العالم الأوسع بلا جدوى.”
إيليانور روزفيلت
إن ما قاله السيد الوزير حول طلبة المغرب العائدين قسرا من أوكرانيا من تحت قبة البرلمان، التي هي مؤسسة دستورية يتنافى وما تحتلها من مكانة خاصة باعتبارها أولا وأخيرا مؤسسة تشريعية منها تنبثق القوانين وتسن.
وقد دأب المغرب مع العهد الجديد وخاصة مع دستور 2011 ، إلى نهج مقاربة حقوقية على جميع المستويات، باستحضار كرامة المواطن في جميع المجالات ( الاقتصادي ، السياسي، الثقافي، الأمني، الإعلامي، الإداري، التعليمي، التربوي…) وعيا من الدولة أن المواطن هو المحور، وهو المركز، وهو المستهدف، وهو المستفيد. لذا فإن كرامته فوق كل شيء، بل فوق كل السلط، لأن السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، تبقى فارغة المحتوى إن لم تكن في خدمة كرامة الإنسان.
وبدون الرجوع إلى السرد الكرونولوجي لما قام به السيد الوزير تجاه طلبة المغرب الهاربين من الحرب في أوكرانيا ، حيث مارس عليهم عنفا معنويا تمثل في الضغط النفسي الكبير الذي عاشوه من خلال أسلوبه التسويفي والتماطلي ، بدء من التصريح الذي أدلى به وهو يعدهم بالإدماج في المؤسسات العمومية لاستكمال دراستهم، حينها أحدث المنصة الرقمية الأولى التي سجل فيها 7283 طالبا بياناتهم ، من أصل 12000 طالبا حسب تصريح سابق لممثلة التعليم العالي الأوكراني في لقاء مع أعضاء الجمعية الوطنية لأمهات وآباء طلبة المغرب بأوكرانيا.
وفي المنصة الرقمية الثانية وبعد أن تراجع السيد الوزير وادعى أن الطلبة سيدمجون عن طريق اجتياز المباراة وب n-1 وسيتم ذلك مباشرة بعد عيد الأضحى، سجل 3200 طالبا بياناتهم (حسب ما أدلت به الوزارة المعنية) ، انتظروا الموعد المحدد تحت ضغط نفسي رهيب، ولم يستمتعوا بعطلتهم الصيفية رفقة أسرهم. ناهيك عن البيانات والحملات العشوائية من طرف زملائهم الطلبة الذين يتابعون دراستهم في القطاع العمومي، وبعض خرجات بعض المواطنين الذين يكنون لهم العداء لا لشيء سوى أنهم ضحايا حرب .
وبعد ذلك أخذ الوزير قراره الأخير المتمثل في إدماجهم في الكليات الطبية الخاصة الباهظة الثمن والتي ليست في متناول معظم أسرهم. فأحدث منصة رقمية ثالثة، سجل فيها حسب وزارته 800 طالبا، للراغبين في اجتياز مباراة الولوج إلى الكليات الخصوصية. اجتاز منهم 393 طالبا المباراة في التخصصات الثلاث، الطب العام، وطب الأسنان، والصيدلة. وتم قبول 123 منهم.
وهنا يمكن ملاحظة ما يلي:
▪ لم تحدد الوزارة أو رؤساء الجامعات الخصوصية المقاعد التي سيتم التباري عليها. وخاصة أنها كليات ذات الاستقطاب المحدود، شأنها في ذلك، شأن الكليات العمومية الأخرى.
▪ لم تصدر لائحة الانتظار بالنسبة للطلبة الذين يمكن أن يلتحقوا بالكليات إن تعذر عدم التحاق أحد المقبولين.
وقد استغل الوزير هذه النتائج إعلاميا رغم أن المباراة تتحدد بالمناصب الشاغرة وليس بعدد المتبارين، ليصدر أحكامه اللا أخلاقية واللا إنسانية، واللا تربوية ، والتي تمس كرامة هذه الفئة، ومارس في حقهم العنف اللفظي، قصد إذلالهم والحط من معنوياتهم، ويحمل لهم المسؤولية حتى يفقدوا الثقة بأنفسهم. إنه نوع من الابتزاز العاطفي الذي مارسه السيد الوزير وخصوصا أنه رجل التربية الأول باعتباره يتحمل حقيبة أهم قطاع في البلاد شغله الشاغل، الأول والأخير، هو التربية والتشجيع، وحل المشاكل، والتأطير، والبحث العلمي ، والابتكار…
فقد تلاعب بمشاعر الطلبة وأوهمهم ، ومارس عليهم التعتيم لدرجة أنهم فقدوا الثقة في كل شيء ، حتى بأنفسهم، رغم أنهم ناجحين وماهرين، وراشدين فاعلين، لكن مع السيد الوزير ، شعروا بالحيرة والعجز. بهذا يكون السيد الوزير يمارس سياسة الهروب إلى الأمام لفشله وعجزه على معالجة هذا الملف، فاقتنص نتائج المباراة ليتملص من إيجاد حلول لهذه الفئة الواسعة من أبناء الشعب المغربي لمتابعة دراستهم، ويعلق عليها شماعة فشله.
لهذا تجاهل معنى العنف، وهو رجل العلم والمعرفة والبيداغوجيا والتربية.
وببساطة سيدي الوزير: » فإن العنف هو القوة الممارسة من طرف شخص معين تجاه شخص آخر أو شيء بصورة مقصودة لإحداث ضرر معين، وهو ثلاثة أقسام وهي: العنف الجسدي، والعنف اللفظي، والعنف النفسي. »
والعنف اللفظي سيدي الوزير: هو عبارة عن الكلمات القاسية والمفردات أو الجمل والعبارات التي تعد خروجاً عن القواعد المتفق عليها في آداب السلوك اللغوي، وتخرج للتعبير عن شعور سلبي أو عنيف نحو الآخر ؛ بغرض إخضاعه أو إصابته بأضرار نفسية .
وفي مجال التربية الحديثة، وكذا على مستوى المقاربة الحقوقية في مجال التعليم فقد أصبحت عبارة ضعيف أو ضعيف جدا، أو ناقص، أو ناقص جدا…. من الكلمات والألفاظ الخارجة عن السلوك اللغوي التربوي، نظرا لما تحدثها من ضرر نفسي على الآخر. وعوضت بالمحاولة أكثر، وبالعمل أكثر، وبنعم ولكن…..
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن طلبة المغرب العائدين قسرا من أوكرانيا مورس عليهم عنفا متعدد الأشكال، منها:
– 1. العنف الموجه إليهم من طرف زملائهم ، ومن طرف بعض أفراد المجتمع بالتشكيك في مستواهم العلمي والدراسي. بل، وبنعتهم « بأولاد بابا وماما » للتصغير والتحقير.
– 2. عنف طريقة اللغة التي أجريت بها المباراة : حيث إن معظم الطلبة يدرسون باللغة الروسية ، أو الأوكرانية ، أو الإنجليزية.
– 3. عنف ذو صلة بتدبير زمن المباراة : حيث إن وقت المباراة كانت في وقت قياسي دون ترك أي مساحة للطلبة للاستعداد النفسي والمعنوي والمعرفي.
– 4. عنف مرتبط بتدبير الإمكانيات المادية والبشرية أثناء المباراة: ويظهر ذلك في الظروف والأماكن التي اجتاز فيها الطلبة المباراة، وكذا العشوائية والارتجالية التي شابت العملية.
– 5. عنف مرتبط بعدم إشراك تنظيماتهم التي تمثلهم (الجمعية ، التنسيقية، الخلية) في معالجة ملفهم بشكل واقعي وديموقراطي واتخاذ قرارات بعيدة عن أسلوب الإقصاء مع مراعاة ظروفهم التي هم فيها الآن.
وعليه، أقول للسيد الوزير: « لا تجبر السمكة على تسلق الشجرة، فإذا أحكمت على السمكة بقدرتها على تسلق الشجرة، ستعيش كل حياتها مؤمنة أنها غبية. »
فلا تجبرها على تسلق الشجرة، ولا تطلب منها النزول لجري عشرة أمتار.
