المونديال بقطر، وأكذوبة 220 مليار دولار
يونس وانعيمي
غريب ما يتم ترويجه عن قطر و دورة كاس العالم 2022 لكرة القدم، التي تستضيفها حاليا هذه الإمارة العربية الإسلامية.
يث « تكالبت » دول عديدة من قلب الفيفا وخارجها ضد استضافة إمارة قطر للمونديال وسخرت كل أبواقها لتتهمها بإرشاء النافذين بعالم الكرة، ثم بشراء ذمم المقررين في تنظيم وبرمجة البطولات العالمية خصوصا الأوروبية..
ولما انهارت هذه الخطة الاعلامية أمام صلابة الملف القطري (خصوصا في جانبه البنيوي) وشرعيته (نسبة التصويت لصالحه) انتقلت الابواق لتتهم هذه الدورة العربية من المونديال بالتهام الطاقة وتلويث البيئة وقتل العمالة، ناهيكم عن ضلوعها « المسبق » في كبح حريات الزوار و « أسلمة » مقامهم والترويج لصورة قطر كدولة رجعية مناهضة للحريات. ولم تشفع كل التطمينات التي قدمها الأمير تميم بن حمد ووعوده السيادية لضمان مرور الدورة العالمية في جو رياضي محترم، بدون خدش الحياء الرياضي والحضاري العام الذي تتسم به كل المنتديات الرياضية العالمية. ونسي الجميع ان هذا هو ايضا شأن تضطلع به الفيفا ايضا وتقف على توفره المشروط باعتبارها المسؤول الاول عن ضمانه وليس صمتها المتلصص حوله، حتى اضطر رئيس الفيفا للخروج عن صمته والكشف عن هذا العنف الرمزي الذي تعرضت له قطر، خصوصا من لدن اطراف كروية ومالية فرنسية-بريطانية (وهو تصريح غير مسبوق من طرف الفيفا).
ولما استنفذت هذه الأبواق كل هذه الذخيرة في الدعاية المضادة، توجهت لتصويب ذخيرة أخرى واتهام دورة قطر بكونها الأغلى كلفة على الإطلاق ووصول القيمة المالية الباذخة لاكثر من 220 مليار دولار وهو إيحاء بأن ما جعل قطر تستضيف المونديال هو مالها فقط لا غير.
لم تكن قطر دولة حمقاء لهذا الحد حتى تخصص موازنة بهذا الحجم لحدث رياضي عابر.
وقطر ليست بتلك الصورة التي يتم الترويج لها (للترويح عن « ضيق تنفس أوروبي » ) بكونها تبعثر كل هذا المال فقط لتحسين صورتها والدعاية لها بشكل وسواسي قهري paranoïaque
لنسرد بعض المعطيات التي تفند ذلك:
– لم تصرف قطر كل ذلك المال على المونديال إطلاقا. فبدل 12 ملعب المبرمج حسب دفتر التحملات، اتفقت قطر مع الفيفا على ثمان ملاعب مع ضمان قربها مع بعض وتسخيرها لبرمجة ذكية للمباريات. وذلك كله بتكلفة اجمالية وصلت ل 6.5 مليار دولار زائد 1.5 مليار مصاريف تشغيل وصيانة هذه البنية التحية الرياضية، اي ما مجموعه 8 مليار دولار ( حسب تصريح ناصر الخاطر المدير التنفيذي للمونديال القطري)
– 220 مليار التي تروج على أنها كلفة المونديال، هي الوعاء المالي الاستثماري الذي وضعته قطر منذ 2010 لتنفيذ رؤية قطر التنموية 2030 ؟ (السعودية سخرت نفس المبلغ لتنفيذ رؤية مدينة جدة 2026 و 300 مليار سخرتها الإمارات لرؤية ابو ظبي 2028). وبالتالي فحدث المونديال هو جزء أو هدف تم وضعه ضمن رؤية قطرية استثمارية أوسع، وسيلعب فيها المونديال دورا تحفيزيا (تسريع وثيرة الإنجاز) وترويجيا ادعائيا للرؤية القطرية التنموية.
كذلك حسب مؤشرات Bloomberg فإن 220 مليار دولار ذهبت لاستثمارات في بنى تحتية مستدامة لا علاقة لها بالكرة وكانت قطر ستنجزها سواء نظمت المونديال او لم تنظمه. فمثلا:
– تم تشييد مدينة يوسيل شمال الدوحة بكلفة 45 مليار دولار وهي مدينة مرقمنة وذكية قادرة على استيعاب 500 الف قاطن؛
– تشييد مشروع ميترو الدوحة عالي الجودة بكلفة 36 مليار دولار ؛
– توسيع مطار حمد الدولي وتحهيزه بأحدث البنيات وجعله اكبر مطار بالمنطقة باستقبال حوالي ستين مليون مسافر سنويا بكلفة بلغت 15.5 مليار دولار ؛
– بناء وتطوير ميناء حمد وفتحه منذ 2017 بطاقة استيعاب تتجاوز ثمان مليون حاوية سنويا بتكلفة بلغت 7.5 مليار دولار؛
– تطوير مركز الدوحة السياحي والخدماتي Doha Downtown بكلفة 4.5 مليار دولار؛
– مابين 2014 و 2022 شيدت قطر حوالي 1800 كلم من الطرق السيارة و 207 جسر و 143 نفق بما يبلغ 34 مليار دولار؛
وبالتالي ف 220 مليار دولار التي تم الترويج لها على انها كلفة استقبال » ميسي ونيمار » (على سبيل السجع) هي تكلفة البنية التحية المستدامة لدولة وضعت رؤية تنموية تتجاوز الفيفا وكرتها، رؤية بكل مكوناتها للعقدين 2010- 2030 والتي شرعت في تنفيذها منذ 2012 بدون ارتباطها حصرا بالمونديال.
220 مليار هو اعتماد مالي ضخم يخضع اساسا لمقاربة استثمارية تسمى ب TBA
Two Budget Approch
فيها ضلعان ماليان الأول مباشر ومحدود (10 مليار للحدث الكروي) والآخر هيكلي مستديم (200 مليار دولار)
والغريب ان كل الدول التي سبق وان نظمت منتديات رياضية بمستويات عالمية (الصين، روسيا، اليابان، كوريا الجنوبية…) اعتمدت نفس المقاربة لكنها لم تتعرض لنفس التدليس الإعلامي الذي تعرضت له قطر.
المونديال في دورة 2022 انطلق سالما وستجني منه قطر حسب توقعات منظميه حوالي 17 مليار دولار كأرباح صافية، أي ضعف ما تم اعتماده لإنشاء البنى التحتية الرياضية. اما الارباح الاخرى، طويلة الأمد، فليست ابدا الفيفا من يتحكم فيها وانما هي مخرجات رؤية قطرية سيادية خالصة لا علاقة لكرة القدم بها.