(أمي إسلي، البقرة وفاظمة خالتي)

بقلم حسن برني زعيم

…وأما الزلزال فقد أتى على كل شيء …البيوت تحطمت، والرجال والنساء والأطفال منهم من قضى، ومنهم من جروحه خطيرة ، ومنهم من نجا….

لكن خالتي فاظمة وبقرتها هما عنوان قصة ما بعد الزلزال.

فاظمة تحنو على بقرتها وتحمل إليها الحشائش وترميها من أعلى لأنها محاصرة بين الحيطان والأنقاض.

خالتي فاظمة تحمل تلفزة قديمة بالأسود والأبيض وكأنها تلخص حياتها الخالية من أي لون من ألوان السعادة، وتشهد عن تاريخ أجيال سابقة عاشت المعاناة والعزلة والتهميش، التلفزة هذه هي سجلها المدني والعدلي والاجتماعي … دل على ذلك ارتباطها بها وحملها معها في ظروف الزلزال وصعوبة التنقل والترحال. فخالتي فاظمة لها صديقتان وفيتان؛ التلفزة والبقرة وكأنهما تمثلان الماضي والحاضر، وأما المستقبل فقد ازداد غموضا بعد الزلزال والهزات الارتدادية التي تضرب إمي إسلي دون إنذار.

تحكي عن ماضيها البسيط ونشاطها الذي لا يتجاوز دائرة حبل بقرتها، ولا يتعدى طموحها إسعاد هذا الحيوان الأليف والاستفادة من حليبها ولبنها وريبها وزبدتها.

العلاقة بين فاظمة وبقرتها كعلاقة أم بابنتها، كلتاهما تؤنس الأخرى وتطمئن إليها وعليها، الجبال شاهدة والناس يعلمون حكاية فاظمة والبقرة.

تقول فاظمة:

 » حين الزلزال ضرب ونجا من نجا وهرب من هرب كان همي هو نجاة بقرتي، والحمد لله، فقد تهدم كل شيء ونجوت أنا وبقرتي، هذه هي قصة ليلتي؛ وما أطلب اليوم سوى إنقاذ بقرتي وخروجها من الحصار الذي ضربته عليها الأنقاض، فقد حرمت من النوم منذ باتت بقرتي بعيدة عني، وكلما رأيتها تدمع عيناي من ألم البعد عنها وبعدها عني. أتجرع الماء والغذاء من ألم انشغالي بها، أرى في عينيها الجميلتين لائحة من الطلبات التي كنت ألبيها؛ وأما أنا فلا طلب لي منها سوى صبرها وتحملها، فقد حرمت من الرعي على جنبات السفح وحيث النبات.

وحرمتني من لمسها والحديث إليها طوال النهار….

وبصوت خافت قالت :أسأل الله تعالى أن يفرج عنا كربتنا ونعود إلى سابق عهدنا 🙁 أنا والبقرة والتلفزة  وأشياء أخرى) . «