ايفران: أطلال مستشفى بن صميم تستغيث فهل من مجيب؟
حدو شعيب
عشق الفرنسيين لمدينة إفران خلال حقبة الاستعمار، وانبهارهم بمؤهلاتها الطبيعية الخلابة، من أشجار الأرز، وغابات ووديان وعيون ، هذه الأخيرة التي جعلت منهم يشبهون ويطلقون على عين فيتال إفران نفس تسمية عين فيتال جبال الألب الفرنسية ، ومن بين ما أثار انتباه المستعمر الفرنسي ، خلال حقبة الأربعينيات ، المناخ المتوسطي المعتدل و الرطب الذي تمتاز به مدينة إفران ، بفعل عوامل التضاريس لتواجدها على ارتفاع 1630 متر على سطح البحر، بالإضافة إلى احتوائها على مساحة جد مهمة من الغابات.
الظروف المناخية المعتدلة ، ونقاء الأجواء بالمنطقة ، دفع الفرنسيين إلى التفكير في الاستفادة ، من هذا الكنز الطبيعي المتميز ، وعلى إثره تم إنشاء مستشفى الأمراض الصدرية والتنفسية ، والمتواجد بقرية ابن الصميم بإفران ، التي تبعد ب 6 كيلومترات على إفران المدينة و 11 كيلومتر عن آزرو ، بناية عظيمة تتألف حسب معاينتي البصرية من ثمان طوابق ، شيدت سنة 1948 على مساحة إجمالية تقدر بأربعين هكتار، في منطقة غابوية ، بالقرب من عين إبن الصميم ، بدأ الاشتغال بها سنة 1954 ، بطاقة استيعابية تصل إلى 400 سرير ، بالإضافة إلى مرافق مختلفة «قاعة السينما، ملاعب …».
بناية ضخمة صارت إلى اليوم أطلالا ، تؤرخ لحقبة الاستعمار الفرنسي في إفران، التي يضل مستشفى ابن الصميم والكنيسة المسيحية بإفران ، و حي العائلات الفرنسية بإفران المدنية ، و بضع منازل بحي الرياض إفران، مآثر تاريخية يجب العناية بها ، لكن و للأسف تتعرض لإهمال كبير.
عند زيارتي الأخير لمستشفى ابن صميم ، كانت الأحوال الجوية مضطربة شيئا ما ، وفي كل مرة أقف فيها منبهرا بالشكل الهندسي للبناية التي لن تستمتع بمشاهدتها إلا إذا صعدت إلى رأس الجبل قدوما من إفران ، بناية رغم كل هذا الإهمال ضلت شامخة تصارع الزمن ، ونحن نقترب من البناية نسمع أصوات الأبواب الداخلية ، تغلق و تفتح لوحدها ، استحضرت الأسطورة المتداولة في إفران حول سبب إغلاق المستشفى بصفة نهائية سنة 1973 ، والذي تقول فيه الرواية ، أن سيدة كانت نزيلة المستشفى تتلقى علاجها ، إذا بها ذات ليلة ، تأخذها الأشباح ، لترمى بها عبر الأدراج ليجدوها ميتة ، هي رواية من بين الروايات المختلفة التي لن يصدقها عاقل، الشبح الوحيد بالمستشفى ذاك الذي أفرغه من معداته الطبية و أجهزته و أسرته ، و خرج مسرعا تاركا النوافذ و الأبواب مفتوحة خلفه ، تتقاذفها الرياح ، مما يجعل من السكان و الزوار ، يستحضرون فرضية الأرواح الشريرة.
من الواجهة، التي تزكي فرضية روعة ذوق الهندسة الفرنسية ، إلى البوابة الرئيسة المحطمة ، المغلقة ببضع سلاسل و أحجار تملأ الثقب، إلى النوافذ الخارجية المكسرة و المحطمة ، والأصوات التي تتكلمها الأبواب و النوافذ الداخلية ، والتي توحي بحجم الضرر التي تتعرض له هذه البناية العتيقة ، و الضرر الذي يتعرض له إقليم إفران عموما جراء إغلاقه و عدم الاستفادة من خدماته .
إصلاح المستشفى يستدعي، ترميما خارجيا و داخليا، و إعادة تجهيزه بالمعدات و الأجهزة الطبية و الأطر الطبية المؤهلة، بالإضافة إلى إصلاح الطرق و المسالك المؤدية إليه و التي تركها المستعمر ولا زالت إلى اليوم يستغلها أهل القرية في الترحال و التنقل من حال إلى حال.
إن المستشفيات التي شيدت من 20 غشت إلى المستشفى المتعدد التخصصات بآزرو ، وصولا إلى مستوصفات الأحياء بإفران ، لا أرى فيها سوى أكشاك للصحة ، أمام عظمة مستشفى إين الصميم ذو خصائص و مؤهلات مستشفى جامعي ، وكلما وطأت قدماي المستشفى الجامعي إبن سينا ، إلا و تزيدني حسرة على هذه المعلمة .
مستشفى ابن الصميم كان مخصصا في الحقبة الاستعمارية وحتى مرحلة بُعيد الاستقلال ، لاستقبال حالات مرضى الأمراض الصدرية و التنفسية ، التي كانت تحل على المستشفى من كل أنحاء المغرب و حتى من خارج المغرب «فرنسا».
إن إصلاح و ترميم مستشفى ابن الصميم ، و فتح أبوابه من جديد كمستشفى متعدد التخصصات ، بإقليم إفران قد يجعل منه «أيقونة» قطاع الصحة في إقليم إفران و المغرب ، ومن شأنه أن يحل العديد من المشاكل الصحية بالإقليم خصوصا في التخصصات التي تتطلب نقل المرضى إلى المستشفيات بمكناس ، واذكر شهادة عيني عن امرأة حلت على المستشفى المتعدد التخصصات بآزرو من إفران ، تصارع الموت بسبب انتفاخ حاد في «المرارة» تستدعي إجراء عملية جراحية مستعجلة ، رفض استقبالها المستشفى لتحل ضيفة على أحدى المصحات بمكناس .
إن إفران ليست فقط الفندق الفخم بقلب المدينة ، الذي يقصده حكام أمتنا للراحة و الاستجمام ، أو للاجتماعات في إطار العمل، بل هو إقليم كبير ترابيا يحتوي على مدن و قرى و مداشر، بها مواطنون يحتاجون إلى مستشفى بمعنى الكلمة و أطر طبية و أدوية و علاجات ، يطالبون فقط بترميم لا بالبناء ، لكن تبقى المواطنة في بلدنا الحبيب درجات.
إن ترميم المستشفى سيضخ دماء الحياة في إقليم إفران ، لتقريب الخدمات من المواطنين خصوصا في التخصصات التي تتطلب الهجرة و اللجوء إلى المستشفيات الجامعية ، و يفتح فرص شغل جديدة بين الأطر الطبية و الممرضين المعطلين ، والتقنيين و الإداريين ، و ستنتعش الحركة الاقتصادية ، بما في ذلك حركة النقل و السياحة الداخلية، وبالتالي إعطاء الانطلاقة الفعلية للاسم على المسمى «قيمة بلادنا» التي أثارها إعلامنا تسويقا لمشروع الإحصاء2014 ، إلا أننا وللأسف نلحظ أن السكان المعنيين بقيمة بلادنا ، لم يكونوا سوى فئة البورجوازية المغربية ، والمستثمرين المغاربة ، و فئة المستثمرين و الأمراء الخليجيين ، احتضنت على شرفهم ابن الصميم مشروعا لاستغلال و تعبئة المياه المعدنية «عين ابن الصميم»، كما شهدت في الأشهر القليلة الماضية البدء في إقامة مشروع لعبة البورجوازية «الغولف» ، التابعة للمجموعة السياحية للمكتب الوطني للسكك الحديدية، وغير بعيد من الغولف بكيلومترات بإفران تقام منشآت «مشروع القطري»، و غير بعيد من القطري ، هناك المستثمر السعودي الذي يسهر على إقامة بنايات السكن الاقتصادي و الاجتماعي «حدائق إفران»، و غير بعيد عن السعودي ، هناك الكويتي الذي أقام مشروع «القرية السياحية». واش هذي إفران ولا «الخليج العربي»؟؟.
هل تنتظر وزارة الصحة المغربية ، أوامر صندوق النقد الدولي، ومنظمة الصحة العالمية (…) ، أم أنها تنتظر استقدام أحد المستثمرين الخليجين لترميم ، و إعادة تأهيل مستشفى إبن الصميم، أم أننا بحاجة إلى أن نقتنع بالضرورة و نزكي مقولة ناس إفران « إفران تباعت» ولا عزاء للساكنين.