ظاهرة الشواهد الطبية لتعطيل المساطر القضائية
بالقاسم امنزو دكتور في التواصل السياسي
أصبح بعض البرلمانيين والمقاولين، والمنعشين العقاريين و »الريعيين » بارعين في ادعاء المرض، والقيام بمحاكاة (تمثيل) جميع أنواع المرض، بغرض الحصول على تأجيل المحاكمة، وتعطيلها أو « التهرب » من الحضور لجلسات التحقيق أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في ملفات فساد تهمهم، وذلك لربح مزيد من الوقت لغاية في نفسهم.
لهذا الغرض ترى بعضهم « يكتري » غرفة خاصة في إحدى المصحات للحصول على شهادة طبية، يقدمها دفاعه ليتم ضمها للملف من أجل تأجيل القضية، ويذهب آخرون -مازالت لم تغلق بعد الحدود في وجههم- إلى الخارج من أجل « السياحة الطبية » لنفس الغرض، والهدف واحد في جميع الحالات، وهو تعطيل المساطر القضائية من أجل استغلال قرينة البراءة، والعزف بها في الإعلام بقولهم إن مراحل التقاضي مازالت لم تكتمل، والحكم ليس نهائيا، وحائزا لقوة الشيء المقضي به.
تبدأ المسرحية الهزيلة والبئيسة عندما يقترب أجل الجلسة في المحكمة أو التقديم أمام النيابة العامة المختصة، أو استدعاء المحققين، بالترويج ل »مرض » المعني بالأمر في أوساط الكائنات الانتخابية المحيطة به، وشبكات « التواصل » الريعي، قبل أن يظهر سيادة « المريض » يستهبل الناس ب »عكاز » من النوع الرفيع (signé) وهو يمشي مشيا ضعيفا مرتعشا، ومريديه يرددون « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.. » لدغدغة المشاعر.
يا لسخرية القدر، بالأمس القريب كان هؤلاء يتكبرون، ويتجبرون، ويمسكون ب »العكاز » (العصا) لقمع المعارضين والمنتقدين، وظلم ذوي القربى، وأكل أموال الريع واليتامى، لكن الأقدار أزاحت الستار، وتغير الحال، لتجدهم الآن مرغمين على القيام بالتمثيل ب »العكاز » من أجل تعطيل أجل العقاب. إلى متى؟
ذلك ما لم يستوعبوه من المناورات الفاشلة للذين « أبدعوا » من قبلهم في هذه المصائب، ومن سبقهم، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى التنقل في حالات يرثى لها، فوق كراس متحركة، صوب مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أو المحاكم، وَبِئْسَ المصير.
هكذا إذن، بعد أن تحايلوا على السطو على أراضي الدولة والأموات والأحياء بدون حياء، والتلاعب بأموال دافعي الضرائب، والنهب، والفساد، والريع، هاهم يصطنعون أدوات أخرى للنصب والاحتيال؛ للوصول إلى مبتغاهم، ألا وهو في هذه الحالة البئيسة ربح فقط بعض الوقت الذي تفرضه غريزة البقاء، وهم الذين ينطبق عليهم المثل الشعبي: « لي بقا فعمرو نهار، مات »، ونحن نردد كما كان يردد أجدادنا رحمهم الله:
» الله يدينا في الضو”.