عفوا سئمنا من أحاديثكم عن عذريتكم السياسية
رأي في قضية
فؤاد الجعيدي
هل يمكن لنا الحديث عن العذرية السياسية، في صفوف الهيئات الحزبية بالمغرب. لأننا اليوم نسمع خطابات، تعد بالنعيم، وتتحدث دون خجل على الحماية الاجتماعية كمشروع مجتمعي، يعود فيه الفضل إلى عاهل البلاد والذي استنتج بخلاف الفرقاء السياسيين من الأوضاع المعيشية للمواطن المغربي، لب الخصاص وسبب الأوجاع. هيأ السبل للتأمين الاجتماعي ل 22 ملوينا من المغاربة
لكن الأحزاب السياسية المتنافسة في هذا الاستحقاق، وهي تدرك حجم الأعطاب التي لم تكن قدرا من السماء، بل نتاجا لتطبيقات سياسية صدت وتعامت على التجاوب مع الاحتجاجات الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بغلاء المعيشة، وعدم تحريك الأجور للمحافظة على العيش الآمن والكريم وكرامة المواطن وتوفير الشغل اللائق..
وكانت إلى عهد قريب القوى السياسية اليسارية، تجد في اصطفافها في المعارضة، القوة والقدرة على تعبئة الناس وتعرية السياسات الطبقية التي زادت الأغنياء غنى وعملت على تفقير عموم المواطنين..
وحين عاشت البلاد، تجربتها السياسية مع التناوب التوافقي منذ 1998 وحتى 2002، لم يتبق أي مبرر لجزء من اليسار المغربي، أن يتحدث في خطاباته عن العذرية السياسية، حيث اتضح للمغاربة جميعا، أن من جاؤوا لإدارة البلاد ، على الأقل جزء منهم لم يكونوا بالمواصفات المثالية، التي عاشت عليها الأجيال، التي تربت في أحضان هذه المدارس اليسارية، ولم يكن زعماء الأحزاب الإدارية بأكثر سوء ممن تعاقبوا بعدهم على المناصب الحكومية..
وبتنا نشهد بأم عيوننا الإقالات على سوء التدبير، وهدر المال العام، وكانت هذه الحقائق والمعطيات لوحدها كفيلة بتعرية طبقات النفاق السياسي والشعارات، الذي تمتعت به نخبنا، لكنها اليوم تعود ومن جديد محتمية بخطابات المظلومية، وأنها وجدت في الطريق من كان يسد عليها الأبواب والأنفاق، كي لا تغير من مجرى الحياة السياسية بالبلاد.
ولتبحث في قواميس اللغة عن أشد العبارات دغدغة للشعور والوعي الجمعي للمغاربة، لاستمالتهم للتصويت، وتداركوا العجرفة التي تميزوا بها طيلة فترات التلذذ والتنعم بكراسي المناصب الوزارية، وباتوا يخطبون ود الناس بتواضع مصنوع ومؤثث بالنفاق الاجتماعي والسياسي، وتخلصوا من ربطات العنق وجاؤوا سعيا للناس بأرجلهم ليثبتوا لنا أنهم من طينتنا.
ومنهم من تذكر حاجتنا للمعقول والانصاف والعدالة والكرامة، وأبدعوا في تنميق العبارات ولم يترددوا في أن يقدموا للناس سخاء من البسمات.
لستم أنبياء، لماذا تريدون تسويق الأوهام للناس عن السياسة والسياسيين بالخداع والنفاق، ولما لا تحافظون على ما يحدث في كل الأوطان، حيث الاستحقاقات لا يتحدث فيها الساسة عن الأماني وعن القيم الأخلاقية بالشعارات والترانيم، وإنما بالبرامج والأفكار، ويقدموا إضاءات على المشاريع التي يتوفرون عليها للناس.. كيف سيتصدون للخصاص في الصحة والتعليم وتوفير السكن وبكلفة معقولة؟ وكيف سيعملون على خلق الثروات وما هي سبل التوزيع العادل لها؟ ومن أين سيأتون بالتمويل لمشارعهم وما هي ترقباتهم على مدة الإنجاز؟
إنها الانتظارات الكبرى والصغرى، التي تعيش على ايقاعها اليومي كل البيوت المغربية؟ فعذريتكم لا تعنينا ولن تنتج لنا الرغيف والعمل.
ألا تخجلون اليوم من هذه التفاوتات بين المدن والمدن بين المدن والمداشر، هنا مدن صاعدة في كل يوم تنجز بها المشاريع، مدينة الربا ط التي تحتضنكم، كيف صارت بها الجسور والأنفاق والمنتزهات والملاعب الرياضية وجنبات شواطئها، في الوقت الذي تعيش فيه مدن تحت وطأة النفايات والأزقة التي لا تتوفر بها الطرقات والدور الآيلة للسقوط..
أريد فقط أن أصل إلى شعور نواب الأمة الذين يذهبون إلى البرلمان، ثم يعودون إلى مدنهم وقراهم ولماذا لا يتساءلون عن العبث الذي يصنعونه في جماعاتهم وفي مجالسهم الإقليمية ومجالس الجهات؟ وكيف لا يحسنون ترشيد الاعتمادات المالية، ليخلفوا بها آثارا نافعة على مرورهم العابر.