أزمة التعليم جذورها تعود الى مرحلة بداية الاستقلال
علال بنور
مباشرة بعد استقلال المغرب 1956، عين المؤرخ الفرنسي شارل اندري جوليان أول عميد لكلية الآداب بالرباط، كما كان في ذات الوقت أستاذا بجامعة السوربون، فبعد مغادرته العمادة، تابع الكتابة والبحث في تاريخ شمال افريقيا، فاختص أكثر في شؤون المغرب، حيث تصدى في كتاباته لتفنيد الاطروحات الامبريالية، منددا بتجاوزات السياسة الفرنسية في المغرب .فبقي محافظا على مبادئه الى وفاته 1991 صدرت له عدة كتب في الدراسات التاريخية، له كتاب تاريخ افريقيا الشمالية 1931 وهو اول كتاب له، وكتاب افريقيا الشمالية تسير: القوميات الإسلامية والسيادة وكتاب تونس أصبحت مستقلة 1951 1957 وكتاب تاريخ افريقيا البيضاء 1966 وكتاب تاريخ الجزائر المعاصرة 1964 ثم كتاب المغرب في مواجهة الامبريالية 1978.
ففي سنة 1960، قدم شارل استقالته من عمادة الكلية بالرباط، لأسباب يذكرها في رسالة استقالته منها: تفشي الارتجالية ونقص الجودة المصاحب بالفشل، كما نبه أن مشروع التعريب الذي احتضنه حزب الاستقلال، يفتقد للأخلاقيات المهنية والاستراتيجية، كما حذر شارل، من أن التعريب سيخلق طبقتين اجتماعيتين، طبقة الصفوة، ستستفيد من التعليم المفرنس وهم ابناء الطبقة التي استفادت من التحالف الاستعماري. وطبقة عامة ستكون مقيدة بتعليم سيء التنظيم.
ما تنبأ له شارل اندري جوليان من الوضعية السيئة للتعليم، نعيش نتائجه اليوم في استمرار الارتجالية والطبقية في التعليم، ازدواجيته في المعرب والاجنبي، من تعليم البعثات الى تعليم خاص الى تعليم عمومي فيه المعرب والمفرنس والمنجلز (باللغة الانجليزية)، ثم ما يسمى بالباكالوريا الدولية، هذا الخليط من التعليم، في حقيقة الامر، لا يعكس، لا وطنية ولا هوية، أما التعليم العالي في شعب العلوم يدرس باللغة الفرنسية، يأتيه الوافدون من التعليم الثانوي المعرب.
يقول شارل دائما في رسالة استقالته، وهي جد مطولة، والتي اتوفر على نسخة منها، انسحبت من اجل تشجيع الثقافة المغربية، لا لكي أكون متآمرا على مشروع تخريبها، تاركا للأخرين المسؤولية الجامعية التي تبدو لي في طريقها للفشل. على ما يبدو، أن انسحابه ليس موقفا من التعريب بل من ارتجاليته وغياب استراتيجية واضحة، كما عبر عن ذلك.
منذ الستينيات، انفتحت سياسة التعليم المعربة على الأطر العربية من مصر وسوريا والاردن وفلسطين للتدريس بالمغرب، الشيء الذي فتح الباب لتسرب الفكر الظلامي، مع الحركة الوهابية وجماعة الاخوان المسلمين، التي أتت جحافلهم من مصر. وفي سنوات السبعينيات، تحت قيادة ، دائما حزب الاستقلال، تأسس التعليم على التعريب بناء على فكرة تم الاعداد لها بكل المقاييس الشيء الذي زاد من تعميق الفوارق الطبقية، وهي التي حذر منها شارل اندري جوليان منذ الاستقلال .ومن المفارقات العجيبة ،صنع حزب الاستقلال مهندسون متخصصين في هدم تعليم أبناء الشعب بدءا من وزير التعليم عز الدين العراقي الى زمن وزير التعليم بلمختار، اذ صرح عدة مرات ان مدرسي الابتدائي و الاعدادي لا يتقنون اللغة الفرنسية، بل حتى العربية، فيأتي في تصريح له لقناة فرنس 24 مع العلم أن صحفيي القناة يتقنون اللغة العربية والفرنسية ، بل كل اللغات القوية، وفي حواراتهم مع ضيوفهم، يفرضون الحديث باللغة العربية، فجاءهم الوزير العجوز بلمختارالى قاعة الأخبار ليعطي النصيحة دفاعا عن الفرنكوفونية، التي تخلى عنها الفرنسيون انفسهم، تاركين الكمبرادور يدافع عنها، ليخلق الحدث خلال حضوره بمعهد العالم العربي، عندما رفض اعطاء تصريح لفرنس 24 باللغة العربية، مبررا ذلك بقوله : » عفوا أنا لا اعرف العربية » لوكان هذا التصريح لوزير فرنسي او غيره، لقامت الدنيا ولم تقعد، ستشن عليه الصحافة حربا الى ان يقدم استقالته .فستمرت الحكاية مع باقي وزراء التربية التعليم الى عهد الوزير سعيد امزازي.
وزراء المغرب متشبثون بمقاعدهم، في ظل الازمات بل يساهمون في تطويرها، ومع ذلك لا يستقلون، ولا أحد فيهم حدا حدو شارل اندري جوليان، الذي كانت له الجرأة على تقديم استقالته، – مع العلم أنه أجنبي- خوفا من تحمل مسؤولية فشل التعليم بالمغرب. وكأن بي، أن الفقيد شارل اندري جوليان أكثر وطنية وغيرة على المغرب من مخططي هدم التعليم ببلادنا.