شكرا صاحب الجلالة لقد رفعتم عاليا رؤوس المغاربة بتدبيركم لأزمات المغرب الدولية

شكرا صاحب الجلالة لقد رفعتم عاليا رؤوس المغاربة بتدبيركم لأزمات المغرب الدولية
شارك

الجزء الأول

بقلم عبدالكريم غيلان

إطار بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

مرت العلاقات المغربية الإسبانية بأزمة خانقة منذ استقبال مدريد، في أبريل 2021، لزعيم الانفصاليين إبراهيم غالي، الذي دخل إلى الأراضي الإسبانية خلسة، وبـ »هوية مزيفة »، وباسم مستعار « محمد ابن بطوش »، حيث برّرت إسبانيا استقباله بتلقيه العلاج من فيروس كورونا، مما أجج غضب المغرب، الذي لم يقنعه هذا التبرير، خصوصا أن زعيم عصابات البوليساريو متهم بارتكاب « جرائم حرب »، وبجنايات أخرى في قضايا مرفوعة ضده أمام المحاكم الإسبانية…

أعلنت الحكومة الإسبانية الجمعة عن « مرحلة جديدة » في « العلاقة مع المغرب » بعد نحو عام من نشوب أزمة دبلوماسية بين البلدين مرتبطة بقضية الصحراء الغربية.

استمرت الأزمة حوالي سنة، من الشد والجذب، حتى ساد الاعتقاد أن الملف لن يجد طريقه إلى الانفراج، خصوصا في ظل إمعان إسبانيا في مواقفها المعادية للمغرب ولوحدته الترابية، إلى حدود يوم الجمعة 18 مارس 2022، حين فاجأ البلدان الرأي العام الدولي بالبصم على « مرحلة جديدة »، في علاقاتهما الثنائية، وكانت المبادرة ببلاغ للديوان الملكي، معلنا عن توصّل العاهل المغربي، الملك محمد السادس، برسالة من رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، اعتبر فيها أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي « الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف ».

صحيح أن إسبانيا سعت، طوال شهور الأزمة، إلى محاولة إعادة العلاقات مع المغرب إلى سابق عهدها، ببعض المبادرات المحتشمة، لكن المغرب، بالمقابل، كان يدعو إلى مزيد من « الوضوح »، والخروج من المنطقة الرمادية، خاصة أن العلاقات بين البلدين ظلت معرضة باستمرار للتأثر السريع على وقع ملفات ذات حساسية مفرطة للجانبين، أبرزها ملفات النزاع حول أقاليم المغرب الصحراوية، ومدينتي سبتة ومليلية والجزر المحتلة، والهجرة غير الشرعية…

الموقف المغربي، الذي كان يعتمد مساحة كبيرة من المرونة في السابق، عرف تحوّلا جذريا بالتدخّل المباشر للملك محمد السادس، الذي أعاد صياغة العلاقات الخارجية للمغرب، على أسس جديدة، مبنية على قاعدة الوضوح التام والاحترام المتبادل، وفق توجيهات خطاب ثورة الملك والشعب (20 غشت 2021)، التي ستتعزّز أكثر بخطاب المسيرة الخضراء (6 نونبر 2021)، الذي قال فيه الجالس على العرش إنه « من حقنا اليوم أن ننتظر من شركائنا مواقف أكثر جرأة ووضوحا بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة »، وتابع موضحا أن « المغرب لا يتفاوض على صحرائه، هذه القضية لم تكن يوما ولن تكون أبدا مطروحة فوق طاولة المفاوضات، إنما نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل »، لينتقل إلى وضع الإطار الجديد لعلاقات المغرب: « نقول لأصحاب المواقف الغامضة والمزدوجة: إن المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية وتجارية لا تشمل الصحراء المغربية ».

كانت رسالة قوية إلى كل من يهمه الأمر، وفي الصدارة إلى إسبانيا، التي استوعبتها جيدا، لكنها حاولت أن تقوم بجس للنبض، لقياس حدود الموقف المغربي، ببعض المشاغبات الجزئية، من قبيل جنوح سانشيز إلى استقبال بن بطّوش على هامش القمة الأوروبية الإفريقية في بروكسيل، في فبراير 2022، كانت مبادرة شاردة، خصوصا أمام العزلة الخانقة، التي عاشها زعيم عصابات البوليساريو من قبل قادة الاتحاد الأوروبي… وبقي الأساس هو ما عبّر عنه العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس، في يناير 2022، خلال الاستقبال، الذي خص به السلك الدبلوماسي المعتمد في إسبانيا، في غياب سفيرة المغرب، حين شدد على أنه « مع المغرب، اتفقت حكومتا بلدينا على القيام سويا بإعادة تحديد علاقة للقرن الحادي والعشرين، بناء على أسس أكثر قوة ومتانة »، وتابع قائلا: « الآن ينبغي على الأمتين السير معا من أجل الشروع في تجسيد هذه العلاقة بدءا من الآن ».

بناء على ذلك، وعلى ما جاء في رسالة سانشيز، يمكن أن نفهم جيدا تلك العبارات، التي تحدث فيها الملك محمد السادس، في خطاب ثورة الملك والشعب، عن العلاقات المغربية الإسبانية، حين قال: « صحيح أن هذه العلاقات مرت في الفترة الأخيرة بأزمة غير مسبوقة، هزت بشكل قوي الثقة المتبادلة وطرحت تساؤلات كثيرة حول مصيرها »، إلا أن « المغرب اشتغل رغم ذلك مع الطرف الإسباني بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية ».

بمعنى أن رسالة رئيس الحكومة الإسبانية إلى العاهل المغربي هي نتاج اتصالات مكثّفة حصلت بين مدريد والرباط، في الآونة الأخيرة، وحتى الذين لم يعلموا بتلك المفاوضات العسيرة، الذي تواصلت لمدة قاربت السنة، سيستنتجون لا محالة ان الدولة المغربية اشتغلت بمهنية عالية وبكثير من الذكاء والدهاء، تجعلني، كمواطن مغربي، أفتخر أكثر بمغربيتي، وأنا مرفوع الهامة، وأقولها بصريح العبارة، دون تملّق لأي أحد ولأية جهة، ومن يعرفني يدرك جيدا ذلك، فأنا لم أكن يوما من المطبّلين المزمّرين والهتافين، ولا من المداهنين ماسحي الجوخ للآخرين مهما علت مراتبهم ومناصبهم. لكن ما حصل يجعلني أقول بكل اعتزاز: شكرا يا جلالة الملك محمد السادس، لأنك جعلتني أشعر بافتخار أكثر لما رفضتَ أي علاقة مع أي كان لا يعترف بالسيادة المغربية على أقاليمنا الجنوبية، ورفضتَ أي شراكة إلا إذا كانت « مبنيةً على الاحترام المتبادل، بعيدا عن العقليات المتعالية التي أصبحت متجاوزة »، ورفضتَ رفضا باتا الاستجابة المتكررة للحكومة الإسبانية لتجديد العلاقة إلا بعد قبول الشروط المغربية وهي كما جاء في خطابكم الطموح والوضوح… الطموح، كما أوضحتَ، كان دائما حاضرا، وبقي الوضوح، هو الذي تم مؤخرا من خلال رسالة بيدرو سانشيز، التي أكدت أن الحكومة الإسبانية اقتنعت بضرورة إصلاح خطئها التاريخي كقوة استعمارية سابقة تآمرت على تقسيم أراضي المغرب، وقررتْ، على ضوء تحليلها لكل المعطيات الجيوسياسية والاستراتيجية، أن تخطو أماما نحو الخطوة، التي سبقتها إليها الولايات المتحدة الأمريكية، باعترافها بسيادة المغرب على كامل أراضيه، وفي حدوده الأصلية والحقة، من طنجة إلى الكويرة…

إنه موقف تاريخي من إسبانيا يضاهي بقوّته موقف الاعتراف رسميا بمغربية الصحراء، خصوصا حين يتحدث عن القيام بخطوات لضمان الوحدة الترابية للبلدين. وهذا يدل على أننا أمام منعطف سياسي ودبلوماسي سيكون له ما بعده. وأكيد أنه سيفتح الباب أمام كل شركاء المغرب، وعلى رأسهم فرنسا، لاتخاذ موقف واضح من السيادة المغربية على أقاليمنا الجنوبية…

وهذا يعد انتصارا كبيرا، لأنه، بحكم وضعيتي (لأن مسقط رأسي مدينة سيدي إفني، التي استُعمرت من طرف الإسبان من سنة 1934 إلى 1969، وقد رفضت أن أقوم بأي إجراء يمكّنني من الحصول على الجنسية الإسبانية كما فعل عدد من أبناء مسقط رأسي، الذين تمكنهم من ذلك القوانين الجاري بها العمل بعد الإدلاء بورقة الازدياد ذات اللون الأحمر)، وبحكم متابعتي للشؤون الإسبانية وللتصريحات المشمئزة وللنظرة الاحتقارية للمسؤولين السياسيين الإسبان، التي يمكن لأي ملاحظ متابع لوسائل الإعلام السمعية البصرية الإسبانية أن يرصدها، والتي ساهمت بشكل مؤثر في تكريس الثقافة السائدة المتعالية داخل المجتمع الإسباني حيث نُنعت، حتى في العديد من إنتاجات الأدب الإسباني، بأقبح الأوصاف (موروس مثلا)، وهنا، أيضا، ومرة أخرى، أقول: شكرا يا جلالة الملك، لأنك أحسست بما يشغلنا، وعبّرت عنّا أبلغ تعبير، وأنت تخاطب الجار الإسباني بأن أي علاقة مستقبلية لا يمكن لها أن تكون سليمة إلا إذا كانت « مبنيةً على الاحترام المتبادل، بعيدا عن العقليات المتعالية التي أصبحت متجاوزة »…

(يتبع الجزء الثاني غدا)

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *