للذين يتساءلون لماذا الجامعات المغربية غير مصنفة؟
د محمد ياوحي، أستاذ جامعي.
في الدول المصنفة جامعاتها، لا تتحول الجامعة إلى « زاوية »، يكرم فيها عابر السبيل وفقير الزاد من العلم والمعرفة، والصاحب والصاحبة، ورفيق الحزب والأخ في وليمة لئام الإخوان….
في الجامعات التي تحترم نفسها، توضع كل الإمكانيات رهن إشارة الطلبة الباحثين والأساتذة؛ من تحفيزات مالية ومكاتب مجهزة بكل التقنيات الحديثة ومختبرات البحث العلمي والدورات التكوينية لفائدة الأساتذة والطلبة والموظفين…
هل يعرف رئيس الحكومة وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيسة المجلس الأعلى للحسابات، أن أغلب أساتذة الجامعة المغربية ليس لديهم مكاتب، وأنهم يتقاسمون في أحسن الحالات مكاتبا في قاعات بئيسة لا تدخلها أشعة الشمس، و أحسن ما يمكن أن تصلح له هو تخمير الجبن نظرا لنسبة الرطوبة العالية بها وانعدام التهوية بها ؟
هل تعرفون كم ينفق المسؤولون من الميزانية في البستنة والنظافة والحراسة والكاميرات والطاقة الشمسية والمعدات التي لا يستعملها أحد، والولائم والسفريات للمسؤولين والفواتير الضخمة التي تصرف دون طلبات عروض…… مقارنة مع الميزانية المخصصة لما هو بيداغوجي وبحث علمي من مراجع علمية للمكتبة ومعدات تقنية للمختبرات ومن دعم للبحث العلمي…. و حتى عندما ينشر أستاذ مقالا علميا مصنفا يكافأ بحاسوب، علما أن أغلب الأساتذة يتوفرون على حواسيب شخصية وأخرى مهنية ؟!؟!؟ هذا بطبيعة الحال في المؤسسات العادية، ولا نتحدث عن مؤسسات أخرى يحرم فيها الأستاذ الباحث من حاسوب محمول، ويصر المسؤولون على وضع رهن إشارته الحاسوب الثابت الذي لا يجد الأساتذة المعنيون بالأمر أين يضعونه لأنه بكل بساطة؛ ليس لديهم مكاتب، أو لأن المكاتب الموضوعة رهن إشارتهم لا تصلح للجلوس العادي لدقائق، فبالأحرى للبحث العلمي….ثم لماذا يمنع الأساتذة في بعض المؤسسات من الحواسيب المحمولة رغم إمكانية ذلك من حيث الميزانية، وكأن الحاسوب المحمول من الكماليات أو أنه جهاز للهو وتزجية الوقت واللعب ؟!؟!؟! ما هذه العقلية التي لم تنخرط بعد في عصر اقتصاد المعرفة وهيمنة التكنولوجيا الرقمية.. فتلاميذ اليابان و لصين يحصلون على حواسيب محمولة منذ الأقسام الأولى التحضيرية؟!؟!؟
هل تعلمون أن الطلبة في معظم المؤسسات لا يجدون ما يسدون به رمق جوعهم نظرا لغياب مطاعم أو كافتيريات تبيع للطلبة مأكولات ومشروبات بثمن مدعم؟ وحتى في الأحياء الجامعية المجهزة بمطعم، يضطر الطالب للوقوف ساعات في الصف ليحصل على وجبة هزيلة مدججة بالصوديوم الذي يؤدي إلى النوم وفقدان التركيز…..
هل تعلمون أن الطلبة وتلاميذ المعاهد العليا يتناولون طعامهم بين السيارات التي تربض أمام المؤسسات التعليمية أو في قاعات الدرس في البرد والقر في ظروف مزرية وملغومة بالمخاطر، حيث تطردهم عاملات النظافة بدعوى توسيخ الأقسام في ظل غياب كافيتريات داخلية؟!؟؟
هل تعلمون أن مناصب تفصل على المقاس لذوي القربى ولأكثر الفاشلين تملقا وتزلفا وزيارة لمكاتب المسؤولين، يلقون فروض الطاعة والولاء والمسكنة ويجتهدون في التذلل والانبطاح المنحط؛ من أجل نيل رضى المسؤول وليمن عليهم بمنصب لا يستحقونه، منصب حرام يأخذ من رزق طالب مجتهد ويعطى لموظف مذلول….. ولقد كانت فضيحة المناصب المحولة أكبر جريمة ارتكبت في حق الوطن والجامعة والطلبة الباحثين والبحث العلمي، ونشكر الوزير الحالي على إيقاف هذه المهزلة الكبرى غير الدستورية والتي أغرقت الجامعة بالكسالى والمتهاونين الذين جاؤوا يبحثون عن ملاذ يفصلهم عن التقاعد …..
دون الحديث عن فقدان بعض الدبلومات العليا لأسسها العلمية والمعرفية لما انزاحت به عن البحوث العلمية وما يستوجب فيها من تأملات فكرية واستنتاجات، تفيد التراكم المعرفي للبشرية..
كيف تريدون السوفتسكيلز في ظروف مزرية للأستاذ والطالب والموظف !؟؟!؟ على من تكذبون؟!؟!؟
الكفاءات الناعمة لا يمكن الحديث عنها في شروط البؤس والتخلف والانحطاط الذي تعيشه الجامعة المغربية….
يجب مراقبة طرق صرف ميزانية التعليم والبحث العلمي الهزيلة أصلا، والتعامل بذكاء مع (التحويلات القانونية) التي يتم بها صرف هذه الأموال. …..
ندعو إلى لجان تفتيش بدل لجان الإفتحاص التي تتعامل مع الوثائق فقط، والاحصائيات والمساطر، و ما في ذلك من حجب للحقيقة.