متاهات الإصلاح في النظام التعليمي المغربي

متاهات الإصلاح في النظام التعليمي المغربي
شارك

محمد السميري

 يعتبر التعليم هو الركيزة الأساسية في بناء وتقدم ورقي المجتمعات، وهو السلاح لمواجهة التحديات العالمية ومواكبة أي جديد. فجميع دول العالم ان أرادت الرقي لمجتمعها عليها ان تولي اهتمامها بالتعليم .حيث تعد كفاءة النظام التعليمي هي دليل على قوة وتقدم المجتمع. ففي الدول المتقدمة يتمركز التعليم في قمة هرم اهتماماتها وتعد عملية اعداد الفرد للحياة العملية من اهم المهام للنظام التعليمي. في هذا السياق يأتي الحديث عن النظام التعليمي المغربي الذي وصل الى وضعية معقدة يشبهها  محمد الدريج بكرة الصوف التي  تتداخل وتتشابك خيوطها ،فرغم محاولات  الاصلاح المتعاقبة  للمنظومة التعليمية ،عبر السنين والعقود ،والتي يمكن رصدها كرونولوجيا كالتالي:(  اللجنة الرسمية لإصلاح التعليم 1957* اللجنة الملكية لإصلاح التعليم 1958-1959 * المخطط الخماسي 1960-1964 (اللجنة المكلفة بإعداد مخطط التعليم) * مناظرة المعمورة 1964 * المخطط الثلاثي1967- 1965).) * مناظرة إيفران الأولى (1970) والمناظرة الثانية(1980) * المخطط الخماسي(1981-1985) * مشروع الإصلاح 1985 – الهيئة الخاصة لإصلاح التعليم *  الخطاب الملكي 6 نونبر 1995 الذي داعى إلى تشكيل لجنة خاصة للعمل بميثاق * الميثاق الوطني للتربية و التكوين 1999-2010 * البرنامج الاستعجالي(2012 ) * الرؤية الاستراتيجية(2015-2020 ) * مشروع البكالوريوس وما يعرفُه من إرباك وظيفي وارتباك إجرائي مع الإعلان الرسمي عن إدراج المفهوم الجديد للأساتذة المُنَشِّطِين بعدما فَشِلَت كل المحاولات الإجرائية لِتكريس صفة الأساتذة المستخدمين والمُتعاقدين(2020) ).

فإن النظام التعليمي المغربي يعد من افشل الأنظمة حول العالم .حيث يحتل المغرب المرتبة129 في مؤشر التنمية البشرية بعد دول عديدة مازال يشهد بعضها صراعات وحروبا ومشاكل سياسية، اقتصادية واجتماعية تهدد بناء الدولة، من بينها العراق وفلسطين وليبيا. ان اول مشكل يعترض القارئ لهذا السيل من الإصلاحات والتوصيات ،هو كيفية تصنيفها وتبويبها كمحاور منظمة قصد الخروج برؤية منسجمة ،تؤدي الى نتائج واضحة وذلك بالنظر لاختلاف مضامينها ومراميها وغاياتها وأهدافها، ولعل فيما قام به الدكتور الدريج من مجهود مضني- بحسب تعبيره – لقراءة هذه الإصلاحات والتوصيات وتصنيفها الى محاور، ما يعطينا صورة متكاملة وشاملة  تتحدد في ثلاثة توجهات:

1-   التوجه التقدمي الدي يعتبر محمد عابد الجابري احد رواده.

2-   التوجه التكنوقراطي ويشمل جميع الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التربية والتعليم في بلادنا.

3-   والتوجه الوسطي التركيبي الذي يوفق بين  التوجه الأول والثاني.

يعبر التوجه الأول عن رؤية شمولية  متكاملة ،تجعل التعليم في صلب التنمية ضمن مشروع  سياسي وطني مجتمعيي تكاملي شامل ،بعيدا عن النظرة القطاعية التجزيئية  التي افتقدتها الإصلاحات المتعاقبة ،والتي يعتبر الميتاق الوطني للتربية والتكوين كأحد تجليات هذه النظلرة القطاعية التجزيئية.

التوجه الثاني يتمثل فيما قام به وزراء التعليم بمختلف اطيافهم ومشاربهم السياسية يمينا ويسارا من إصلاحات ،كمعطى محصور في الزمان والمكان ، متنكرين لما جاء في برامج أحزابهم بمجرد استوزارهم.

ويعتبر البرنامج الاستعجالي كمثال لهذا النوع من الإصلاح.

اما التوجه الثالث التوفيقي التركيبي، فقد اعتمد التعبئة الشاملة للمجتمع ورجال التعليم والاباء والتلاميذ ،لصياغة برنامج اطلق عليه بيداغوجيا الادماج ،الذي الفت فيه الكتب وصرفت فيه أموال كثيرة في دورات تدريبية انتهى بالفشل الدريع.

ان التعليم  كان ولا يزال مجال تجاذب بين تيارات سياسية  وايديولوجية ،تخدم اغراضا انتخابية صادرة عن هيئات انتهازية غير متخصصة ،توظفه تكتيكيا لأغراض ظرفية ،وقد سبق للمغفور له الملك الحسن الثاني في خطاب ملكي بمناسبة الذكرى 60 لثورة الملك والشعب ،بتاريخ20غشت2013 ان أشار الى التوظيف السياسوي للتعليم ،حيث قال: » وانطلاقا من هذه الاعتبارات، فقد كان على الحكومة الحالية استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا مصيريا، يمتد لعدة عقود.

ذلك أنه من غير المعقول أن تأتي أي حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها.

لذا، فإنه لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية.

بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع. »

إن التوظيف الأيديولوجي على حساب الهاجس البيداغوجي التربوي، جعل الدولة بدورها في احد مراحلها(مرحلة السبعينات كمثال) ،تعتبر المدرسة من منظورها مكانا لتفريخ المتمردين والمعارضين ،فسعت بكل جهدها الى كسر شوكة المدرسة ،وافراغها من محتواها ،للحؤول دون بلورة وعي نقدي لذى الافراد، الدين سيصبحون مواطنين، وبالتالي لإعادة انتاج القيم السائدة ،التي خلقت مجموعة من أفراد المجتمع ،الذين يصيرون معتقدين أن العمالة للمؤسسة المخزنية هي المدخل لإيجاد حل للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ، و أن كل ما سوى المؤسسة المخزنية لا يستطيع فعل أي شيء كما هو حاصل في الواقع، و على جميع المستويات، و في جميع المجالات. و هذا التوجه هو ما تنتجه المدرسة المغربية بامتياز باعتباره غايات كبرى تتحقق في إطار المجتمع من خلال البرامج الدراسية، و الطرق التربوية، و مناهج إعداد المعلمين في مختلف مدارس التكوين وهذا ما جعل البرامج والمشاريع تتحول الى صيغ بلاغية وشعارات ،يتم تردادها  بصورة ببغائية من طرف الجميع ،دون ان يكون لها اثر على المستوى الاجرائي .فالسياسات التعليمية في واد والواقع في واد اخر وكمثال على هذه السياسات الارتجالية ، تنكر وزارة التربية للقانون الاطار، وإقرارها بفشل الرؤية الاستراتيجية دون تقييم او افتحاص. اننا كما يقول محمد الدريج امام متاهة ووضع عبثي ومضيعة للمال والوقت ولأجيال فقدت  الثقة في مؤسسات الدولة ،مع جمود طبقة سياسية حريصة على مصالحها اكثر من التفكير في الصالح العام.

ان استبدال اصلاح بإصلاح جديد ،هو متاهة وعبث لإلهاء المواطن عن المشاكل الحقيقية التي يتخبط فيها قطاع التعليم منذ عقود، فالإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتم إلا بإجراء مناظرة وطنية تشارك فيها القوى السياسية ،وفعاليات المجتمع المدني، واشراك العاملين في الميدان، من نساء ورجال التعليم ،باعتبارهم الحلقة الأساسية في أي برنامج إصلاحي ،وكذا مراعاة حاجيات ومصلحة التلميذ ،باعتباره محور العملية التعليمية التعلمية، فمن دون ذلك يبقى الإصلاح من فوق لأغراض ايديولوجية ،كذبة للاستهلاك الإعلامي لا غير.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *