مدخل لقراءة كتاب « الزمن والسرد » لبول ريكور الحلقة الأولى
محمد السميري
يعتبر كتاب « الزمان والسرد » للفيلسوف بول ريكور من أهم الكتب في القرن العشرين التي اهتمت بمجال السرد وفلسفة السرد، يضم الكتاب ثلاث مجلدات بحجم ألف صفحة ،والذي يطرح بالنسبة للقارئ العربي -بالنظر لجدة وعمق الموضوع – صعوبة في الفهم والاستيعاب، وسنحاول من خلال هذه الورقة حصر السؤال الرئيسي الذي يحاول الكتاب أن يقدم إجابة عليه، .يطرح بول ريكور في كتابه مشكلتين أساسيتين محاولا ان يجدا لهما حلا:
المشكلة الأولى هي مشكلة الزمان الكوني أو الزمان الكوسمولوجي، وهو زمن الدقائق والساعات والأيام والشهور والسنوات، حركة هذا الزمن حركة منتظمة، حيث الزمان فيها زمن بارد محايد لا علاقة له على الإطلاق بما نفكر فيه.
المشكلة الثانية التي يحاول ريكور حلها هي مشكلة الحدث أو بمعنى النقط، فحياتنا تتكون من مجموعة كبيرة من الأحداث المنفردة، التي تمثل تحديا وارباكا لفهمنا، فالمشكلة هي كيف نستطيع أن نقدم تعريفا مقبولا وانسانيا للزمان؟ وفي نفس الوقت ،كيف نستطيع ان نمنح الحدث نوعا من المعنى والمعقولية؟
يتصدى بول ريكور لهذه المشكلة في الجزء الثالث من الكتاب « الزمن المروي » حين يتحدث عن الصعوبة التي واجهها الفلاسفة في حل مشكلة الزمان والتي تتمثل في صعوبة استنبات الزمن النفسي في الزمن الكوني/الكسمولوجي (زمن الدقائق والساعات)، بمعنى كيف يمكن أن نأتي بالزمن الإنساني ونستنبته في هذا الزمن المحايد الرياضي المتحرك بحركة منتظمة، خاصة وأن اشتقاق أحد الزمنين من الآخر محكوم فلسفيا بالفشل، فالزمن منقسم دائما فكلمة الآن/اللحظة تفقد معناها، فهي تشكل رأس الدبوس والتي تنتهي بمجرد التلفظ بها، وبهذا فالزمن مجزأ بطريقة يصعب بها لم شتاته بدون نوع من الفاعلية. ولكي يتمكن الفلاسفة من حل هذه الإشكالية لجأوا الى استراتيجية تعتمد العقل والأنساق الفلسفية، ولتوضيح هذه الفكرة نعطي مثالا على ذلك بما قدمه هيغل في كتابه » فينومينولوجيا الروح » حيث يعتبر هذا الأخير أن للروح حركة عبر التاريخ، لكن الروح التي يتحدث عنها هيغل كما يوضح بول ريكور ليست هي الروح التي نتكلم عنها حين الحديث عن إنسان من لحم ودم، بمعنى فالتاريخ الذي يتكلم عنه هيغل ليس تاريخ المؤرخ وإنما هو تاريخ الفيلسوف، فالروح التي يتكلم عنها هيغل روح منطقية تمثل حركة مجردة لا علاقة لها بمعاناة الانسان واخفاقاته وتشظي تجربته، وبهذا يبقى الحل الذي يقدمه حلا محاطا بالأسئلة.
يتضح من خلال ما سبق أن الرهان في كتاب « الزمن والسرد » حسب ريكور في أن الإجابة على مشكلة العلاقة بين الزمن الكوني وبين نقطة الحدث هو السرد وليس الفلسفة، فالفلسفة عاجزة عن حل هذه الإشكالات، في حين أن السرد قادر على حلها، فالسرد بالنسبة لريكور له فعالية على مستوى المعرفة وعلى مستوى تكوين شخصية الانسان وعلى مستوى العيش في عالم قابل للسكنى، يمثل السرد إذن من هذه الزاوية رهانا كبيرا بالنسبة لركور فالحل يأتي من كون السرد يجمع الأحداث، فالراوي أو السارد يجمع أحداثا مختلفة فينتظمها على الزمن الكوني فيضفي بذلك عليها عنصر الزمانية وبالتالي ربط بعضها ببعض.
إن ربط الأحداث ببعضها يثير دائما سؤال ما المقصود؟ ما المعنى؟ وهذا يقودنا بدوره الى الحبكة القصصية.