في الحاجة إلى نفض الغبار على السلبية Le négativisme :
بقلم سعيد ألعنزي تاشفين
يبدو، من خلال تتبع مختلف مصائبنا نحن المغاربة عموما والأسمريون خصوصا، أن أكبر مصيبتنا في السلبية التي تأخذ تمظهرات متعددة . فالقفار التي نسكن والمناخ الصعب الذي يحاصرنا جعل العقول تعيش حالة جفاف عاطفي كبير لدرجة سيطرة » اللاّحب » وهيمنة خطابات الانتقام النفسي مع ما له من تداعيات وخيمة على العلاقات الأفقية بين أفراد المجتمع.
** ملاحظات في السلبية :
– كل فعل اجتماعي يقوم به فرد متحرر من صلابة البنية ، أو مجموعة أفراد متوافقين على فكرة معيارية جديد ؛ يصطدم مباشرة بنوع من » عمال إنعاش السلبية » الذين يعدّون العدة لبناء استنتاجات في غاية السلبية عبر » مفاهيم » التبخيس والازدراء وتحطيم كل شيء جميل على صخرة الهوس النفسي ؛ وما هذا إلا أول تمظهر للسلبية التي تخسر كل حلم جميل يروم تكريس الإيجابية الناعمة بالإبداع .
– العجز عن العيش مع ثقافة الحب ومعايشته ، والحب هنا بمعناه الرحب كقيمة إيجابية عليا . فيكفي أن تعبر عن حبك لفكرة ما أو لشخص أو لنموذج إنساني .. حتى تبدأ » الثقافة السلبية » ترخي بضلالها عبر تساؤلات موغلة في الانجراف النفسي من طينة : » كفاش زعمى » !! » هذا واش ب نِيْتُو » !! » أشنو بغا هذا ولاش تيخطط » !! ؛ ومثل هذه الأسئلة طبيعية جدا في مجتمع غير معتاد على الحب بحيث تبدو كل الروابط الإيجابية مثيرة للشكوك والريبة حتى أن أقرب الناس إليك قد يعرض سؤالا على أبعد الناس إليك ويقول : » أش بان لك ف فلان !! » وهو الذي لا يفارقك ويعرف عنك » الشّدة والفدّة » لكنه يحتاج إلى من يطمئنه عنك لأن بنية القهر تعمق المخاوف والتخوفات لدى الأفراد . وحتى ، مثالا لا حصرا ، عندما تؤسّس علاقة محبة ثابتة بين شخصين أو أكثر ، بصرف النظر عن الجنس ذكرا أم أنثى ، تتشعب الأسئلة حول دواعي تلك العلاقة = المحبة بما يسمح للهوس البسيكولوجي بالانفلات عن كل الضوابط العقلانية ثم تترتب عنه أحكام قيمة في غاية السلبية لدرجة القتل المعنوي واستصدار أحكام في غاية التطرف ظلما بما يتماهى مع الوهم الذي تزكيه البنية ويقع الفرد ضحية لها مباشرة .
– قهرية البنيات الاجتماعية وانغلاق النسق البسيكولوجي العام يوطد سيطرة ميزاج متطرف لدرجة أن درجة الحب قد تنقلب تحت هوس القهر إلى خوف وفوبيا . فيكفي أن يعبر المرء عن قيمة الحب في بنية مغلقة أساسها القهر حتى يصير نحوه عدة شكوك من نوع سحب الثقة عليه تحت تسلط الشك المجاني كخلفية قهرية تنتهي أحيانا إلى نوع من السادية في الحكم على وجدان الغير بسهولة عبر ماكينة العنف الناعم الذي يخرب كل الوشائج . لهذا كلما بالغ المرء بمنح الحب كلما سقط من حيث لا يدري في الحصول على عكس الحب وهو غالبا الخوف والتخوف أولا ثم التشكيك فيه وبناء وهم الفرضيات فيما بعد ضده ، وبذلك ينقلب الحب إلى إحساس مكلف جدا ومؤلم كذلك بدل أن يكون مدعاة لتقوية الٱواصر وإسنادها .
– في البنية القهرية غالبا ما نصطدم باستنتاجات موغلة في الباطولوجيا مثل » هذاك متنحملوش ؟ أعلاش ؟ الله معرفت من سيدي ربي !! » و » الخشية ديالو ف شكل » !! ، ومثل هذه اللازمة سارية بقوة في بنيات القهر النفسي المستأسد حتى أنه من السهولة بمكان الحكم على الأغيار لمجرد هوس بسيكولوجي منجرف عن المسافة الفاصلة بين الذاتي والموضوعي في الحكم على وجدان الغير وشخصياتهم . وأحيانا نصادف تطرفا خطيرا في إخضاع الغير إلى سلطة الحكم الذاتي الذي ينطلق من الوهم أو الهوس أو الانطباع ، وذلك مثلا » هذاك معمري رتاحيت ليه » !! في ما معناه أن الحكم لا ينطلق من قواعد حسية تعتمد الملاحظة بالعين وإخضاع تلك الملاحظة إلى التحليل العقلي قبل بناء حكم قيمة جارف وغير منصف . وهنا غالبا بيننا نحن الأسامريون من السهولة بمكان أن يبدأ الاختلاف لمجرد الشك بلا مبررات أو لخوف مُستبطن أو تحت خضوع قوي لانطباعات الغير حيال شخص أو فكرة أو إبداع جديد . وعليه تحت ضغط الميزاج / الذهنية يتم تخريب كل شيء جميل بعلة الهوس النفسي الذي لا ينطلق من تحليل عقلاني رصين بل من انجراف نفسي غير متحكم فيه . وداخل هذه البنيات الجامدة أحيانا يتم الحكم على تجارب الغير وعلى الأغيار أنفسهم بعبارات مخلة بالتقدير الأدنى لدرجة أن الحكم أحيانا يمتح من مواقف قديمة لعقود أو لسنوات كأن يتبنى شخص موقفا من شخص أخر بسبب تصرف يرجع إلى أربعين سنة مضت !! هنا يظهر بقوة الوهم الذي يجعل عجلة التاريخ ثابتة لا تتحرك أمام تصرف مضى عليه زمن طويل دون أدنى قدرة على تعديل المزاج الفردي ، وبالتالي هنا يتحول الانطباع إلى عقيدة كلها حقد وكراهية ، ثم إلى ازدراء وتبخيس ثانيا ، ونحو إعلان الحرب نتيجة فيما بعد. ** خاتمة عامة :
عندما يكون المجتمع خاضعا لثقافة القهر داخل بنيات مغلقة تنتشر مختلف الباطولوجيات النفسية بعنف ، ويكبر منسوب العدوانية مع ما تفضي إليه من تكريس الإصطفافات العرقية أو المزاجية ضد عدو وهمي مشترك أو النمطية بشكل ما ، وبالتالي يصبح المجال العام مسرحا للحرب التي تمتح من منظومة التخلف والرجعية بما يحول الاختلاف إلى مبرر للتلذذ بالحرب على المختلف ثم تبدأ السادية البسيكولوجية التي تحول الغير إلى موضوع للفرجة من خلال الأسماء المستعارة والحسابات المجهولة التي تستعمل كل أساليب العنف قصد التلذذ بمزالق الغير . إنها واجهات لتحرير الطاقة السلبية في حرب ملطخة بالهوس والوهم والعار وانتهاك الحرمات واستهداف المختلف وترتيب أحكام قيمة في غاية السلبية والخطورة حتى إن الخضوع للقهرية النفسية يشرعِن كل أشكال الحرب ضد المختلف كأن يستنج الإنسان المقهور لازمة من نوع : » مصيبة البلاد هو هداك !! »، إلى بغيتو لبلاد تكون بخير خصنا نتاحدو ضد هداك !! ، وكلها انطباعات همجية لا تقدر على استلهام رحابة الفضاء العام الذي يتأسس مبدئيا على الاختلاف وعلى تدبيره لا على النعرات والأحقاد والازدراء والكراهية والشر والخوف والقهر والعنف والتعسف والمزاج والانطباع والانفعال والقتل المعنوي والاغتيال الرمزي ضمن حرب همجية ينهال قاموسها من منظومة التخلف والرجعية . و عليه أعتبر أن مصيبتنا الكبرى في هذا التيار الجارف من السلبية التي تخرب كل شيء جميل وتحول المجتمع إلى نسق قهري متجدد على أشلاء قيم الاختلاف والغيرية وقبول المختلف وتدبير الاختلاف بهدوء وعقلانية ورويّة. ولهذا نجد هنا كثيرا من اللغط حيال كل مشروع جديد يريد تحريك البركة الآسنة بالفكر لربما تقتحم الطاقة الإيجابية مجالات الإدراك النمطية بعقلانية هادئة بدل باطولوجيات الوهم والهوس الذي يشرعن حروب العار والتخلف ويؤسي لهويات فردانية وجماعية قوامها الانتقام وارتكاب العار وتخريب كل شيء جميل.