هكذا أرى الأمور …

هكذا أرى الأمور …
شارك

بقلم الدكتور سدي علي ماء العينين

يقولون إنه في حالة المواجهة يكون الالتفات إلى الجزئيات فيه إساءة للمقاومة ، وأن المطلوب هو الدعم اللامشروط مادام المدعوم صاحب حق ، ولا قدرة لك على فهم سلوكه ما دمت لست في مكانه ،ولا تعاني من معاناته .

و العارف بالدراسة و المتتبع لملف القضية الفلسطينية سيفهم جيدا أن تاريخ القضية قبل وفاة ياسر عرفات تختلف كلية عن ما بعده ، وان فلسطين الارض قبل خروج الاحتلال من غزة و تسليمها الى حماس في 2006 لخلق الشرخ في الصف الفلسطيني و التقتيل الذي تم بينهما عصف بالوحدة الفلسطينية إلى مالا نهاية ،

ومن يتذكر استقبال ملك المغرب لشيمون بيريز في اواسط الثمانينات ، و زيارة السادات لإسرائيل و توقيع السلام سيفهم ان للقضية وجوه اخرى .

قبل سابع أكتوبر ، كان مليونين و نصف المليون تحت الحصار مثلهم مثل باقي فلسطيني الضفة والقدس ، اليوم مات منهم عشرة آلاف غالبيتهم اطفال ونساء ابرياء ، و آلاف الجرحى ،و آلاف المنازل و المنشآت و المباني و المستشفيات و المخبزات و المدارس ،كلها هدمت في عملية لا يريد العالم ان يصنفها على انها إبادة جماعية ،ولا جريمة في حق الإنسانية ولا جريمة حرب .

الجماهير التي تهتف دون ان تقرأ ، لا تحب سؤالنا :

لماذا هاجمت حماس الكيان المحتل و بتلك السهولة ؟

الرد السهل الواضح متضمن في السؤال ، إنهم مقاومة تقاوم الإحتلال .

طيب ، ما الغرض من عملية طوفان الاقصى ؟

او بمعنى ادق ، ماذا سنجني كانصار القضية من عملية محدودة اسفرت عن خسائر في ارواح العدو المحتل بين عسكريين ومدنيين ،مقابل ما كنا نعرفه عن بطش و همجية الجيش الاسرائيلي المسكون بالدم ؟

قراءتي لجوانب من التاريخ ، ومعرفتي بمختلف الفصائل الفلسطينية ولو سطحيا ،جعلتني اميز بين من تكن بالولاء للأرض والقضية ، وبين من تنفذ اجندات خارجية باسم الدفاع عن الارض و القضية . وليس كوني يساريا هو ما يجعلني لا اثق في حماس، حماس بالنسبة لي تاريخ يجب ان يوضع تحت مجهر الدراسة لمعرفة أصولها ومن تم غاياتها ومراميها ، وهذا التشكيك لا يخص المقاومين الذين آمنوا بالقضية ،لكنه يخص من يحركون الخيوط وفق اجندات أجنبية .

اتذكر عندما كان ياسر عرفات يوقع اتفاقية السلام ، كانت حماس في نفس لحظة التوقيع ترسل القذائف والصواريخ الى المحتل !!!!

وأتذكر في أزمة الخليج وبعد ان اشتد الحصار على صدام قام بإرسال صواريخ ضد اسرائيل، ليهدد بها امريكا كي ترفع عنه الحصار ،وسقط صدام …

اليوم عندما يخرج ابن سلمان ويقول ان السعودية تقترب من اتفاق للتطبيع مع اسرائيل ، وقبلها عقدت مشاورات لإعادة العلاقات مع إيران برعاية أمريكية (!!!)،

فجاءت 7 اكتوبر لتوقف هذه المساعي يوما واحدا بعد تصريح بنسلمان ، و تحول اتجاه الأحداث إلى وجهة أخرى .

ولأن حماس تصنف نفسها جهادا إسلاميا ، فمن الطبيعي ان الحركات والاحزاب الإسلامية تصطف تلقائيا الى جانبها ،خاصة وأنها تدعم قضية خارجية لأغراض داخلية .

كل التنظيمات الداعمة لفلسطين في كل البلدان كانت يسارية تساند الفلسطينيين باختلاف فصائلهم ، وكانت فتح هي حاملة لواء الكفاح الفلسطيني قبل أن يصيبها الفساد في معقل .

كسياسي ، لو عرض علي في إطار مقاومة الاستعمار والاحتلال ان اقوم بعملية اقتل فيها ألفا من المحتلين الغاصبين ،مقابل قتل و تهجير و تدمير بنايات بالآلاف ، وانا اعلم ان خيار المفاوضات قائم ، وان قرار حل الدولتين قرار اممي تقره كل دول العالم ، فلن اقدم على هذه الخطوة ، ولو قيل لي ان مسلسل السلام متعثر ،مالم يقل إنه توقف و بلا رجعة ،ساعتها يكون العمل الفدائي هو خياري الوحيد .

لا يريد كثير من المسلمين وبإيعاز من الإسلاميين أن يقولوا لعموم الناس أين تبدأ و تنتهي مسؤولية السعودية بلاد الحرمين الشريفين في استيطان اليهود بفلسطين ؟ وهي من رعت الجماعات الإسلامية والتكفيرية لعقود برعاية فتاوي الوهابية !

ولا يريد احد من هؤلاء أن يرفع صوته ضد تطبيع تركيا مع اسرائيل من قديم الزمان ،ولها سفارة ،ولها علاقات تجارية ، لا احد يطلب من الزعيم الملهم اردوغان ان يقول لنا لماذا يصافح المحتل في اللقاءات الثنائية حفاظا على مصالح الاتراك ، و يروج خطابات المواجهة ضد اسرائيل و يفتح نار الكلام للتغطية على علاقاته القائمة مع اسرائيل . لا احد من الجماعات سيستفسر رجلا فتح تركيا للإسلاميين بمنح لدراسة ابناءهم و كوادرهم ، وفتح جيوبه لدعم نضالاتهم في بلدانهم !!!

العالم كله ينظم مسيرات للمطالبة بوقف إطلاق النار وإبادة الابرياء من النساء و الاطفال ،لكن هذا العالم الغربي الذي يتظاهر من اجل السلام ،فهو لا يساوم ولا يدعم الفلسطينين على حساب مصالحه الثابتة وهي دعم اليهود ،وحق اسرائيل في السلام ،و حماس إرهابية و…..

وعندنا « القفة مقلوبة « ، المواطنون يخرجون للتضامن مع فلسطين ، لكن المهيمنون على الوقفات و المسيرات وهم يقفون امام كاميراتهم ،كل همهم هو التخصيص بان دعمهم لحماس و سكان غزة .وان فتح لا شرعية لها ، اما باقي الفصائل فلا يعرفونها ، و لضرب عصفورين بحجر واحدة ،يصبح التضامن ظاهره دعم فلسطين ،وباطنه مواجهة الدولة بسبب ما يسمونه تطبيعا.

عموما تلك سنة السياسة، « كل لما هجر له « ، ما هو مؤكد ان القصف والدمار لن يكون إلى مالا نهاية ، فالعالم كله يتظاهر لوقف الإبادة الجماعية ،وما إن تتوقف المجزرة ،لا شيئ سيتحقق على أرض الواقع في ظل منتظم دولي لا يرى ولا يسمع ، سوى وقف إطلاق النار و جرد الضحايا و تقديم المساعدات و إعادة الإعمار ،وكل هذا بدعم غربي ،كيف لا و الاتحاد الأوروبي يصرف 2,5 مليار دولار سنويا على غزة ، وهو دعم مسموم وملغوم .

العالم الحاكم لن يترك قطاع غزة كما ترك خلفه سوريا ، بل سيعيد الإعمار بأموال الغرب و البترول العربي ،لكن ذلك سيكون مشروطا بالانصياع و القبول …

زمان قالوا القوة تغلب الشجاعة، وتحرير الاوطان حين تختل موازين القوى لا يكون بالشجاعة الغير محسوبة العواقب، بل بالتفاوض و الصمود .

ما يختلف عليه الوضع في فلسطين مقارنة مع مختلف أشكال الاحتلال والاستعمار تاريخيا، هو ان اليهود كانوا شتاتا و منبوذين ومطاردين ، وكان لابد لهم من وطن، فكان وعد بلفور بزعامة الانتداب البريطاني ،و التخاذل السعودي ، وبعد كل هذه السنين والاجيال المتعاقبة ، اصبحت المعادلة صعبة ، فلا يمكن اليوم ان نرمي باليهود في البحر كما تقول أرضية تأسيس حماس ،كما لا يوجد عاقل سيقبل مخطط الصهيونية باحتلال اراضي فلسطين و سيناء و لبنان و سوريا وجزء من العراق و كل ذلك من نسج مطامع الصهيونية بالمنطقة .

الداعون للمقاومة لا يرسمون خريطة طريق نحو الاستقلال والتحرر، والمفاوضون من السلطة الفلسطينية لم يستطيعوا رغم وجود قرارات أممية ان يفرضوا مفاوضات جادة و فعالة وواضحة، وتنزيل قرار الامم المتحدة بحل الدولتين و ترسيم الحدود و عودة المنفيين و غيرها من البنود التي لاتزال حبرا على ورق .

ما اصبح في حكم المؤكد ان هناك من جعل من القضية الفلسطينية ملفا للتعبئة الحزبية و المساومات السياسية، ولا احد اليوم يشتغل على توحيد الصف الفلسطيني، وان الفصائل الفلسطينية باختلاف مشاربها مدعوة ان توحد الجبهة الداخلية حتى تتمكن من فرض مفاوضات على قاعدة حماية الحقوق الفلسطينية .

لقد شاء الله ان ازور تلك الأراضي المباركة مهد الانبياء، ونزلت بيوت الفلسطينيين، اكلت من اكلهم و تغطيت وافترشت فراشهم، وجالست كبيرهم وصغيرهم ، ويحز في نفسي ما وصلت اليه الاوضاع ،وابكي بحرقة على الاطفال الذين يموتون ويحرقون وهم لا يعرفون ما يحدث من حولهم سوى انهم وجدوا أنفسهم وسط كبار يتقاتلون وهم لا ذنب لهم سوى انهم فلسطينيون وان عدوهم صهيوني متغطرس سفاح ،

اوقفوا هذه الإبادة الجماعية، وارفعوا ايديكم عن القضية واتركوها بين يدي اهلها وهم اهل لحلها ، ولهم منا كل الدعم والمساندة و الضغط حتى يتحقق المطلب الأممي بحل الدولتين و تأسيس دولة فلسطين عاصمتها القدس الشرقية.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *