وجهة نظر في رفض المغالطات والتضليل الأيديولوجي
الداخلة الصحفي: ابراهيم اعمار
نطرح السؤال إلى كل الحقوقيين المغاربة:
ونحن مؤمنون كل الإيمان بأن حقوق الإنسان تجعل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الشأن مرجعها الأسمى. لكن طرحنا للسؤال ينبع من رفضنا للمغالطات والتضليل ومن استغلال هذا الإيمان لخدمة أجندات أيدولوجية متعفنة وسياسية تمتطي حقوق الإنسان لتحقيق مآرب وأهداف نجهلها..
ونؤمن أن حق الشعوب في تقرير المصير هو مبدأ قانوني وحقوقي لا ينكره عاقل. وفي هذا السياق نشير أننا نؤمن به كمبدأ، لكننا نطرح للنقاش الإجراءات والإمكانات والآليات لتحقيقه.
واليوم نسائل كل الحقوقيين المغاربة:
– متى كان المغرب رافضا للحق في تقرير المصير كمبدأ؟
وبكل وجاهة وحتى تتضح الرؤية ويزول اللبس. نسائل الراكبين على مطية حقوق الإنسان لخدمة المجهول:
– هل للمغرب الحق في صحرائه أم لا؟
واسمحوا لي حتى نضع أولئك الحقوقيين في صلب الحقيقة حتى تتضح الرؤية ويزول اللبس عن شعارهم البراق لتقرير المصير.
لقد أصبح مبدأ تقرير المصير في ملف الصحراء الشعار البراق الذي يروجه كل سياسي من موقف حقوقي. ان مبدأ حق تقرير المصير بالاستفتاء لا يطبق إلا على الأقاليم والمناطق الموجودة تحت الاستعمار الأجنبي، ويعني إما الانضمام إلى الدولة او حكم ذاتي عن طريق استفتاء شعبي مثل « اسبانيا الباسك »، وفي حالة قضية الصحراء المغربية، فإن هذه الأقاليم هي امتداد جغرافي تاريخي وديني للمملكة المغربية، وساكنتها عبرت عبر التاريخ بممارسة فعلية في الواقع عن ارتباطهم الأصلي والتاريخي والديني للملكة المغربية، فمنه ما هو مكتوب ومنه ما هو في الزوايا. إن الدبلوماسية الجزائرية التي تروج لحق تقرير المصير من خلال الاستفتاء من أجل الانفصال على اساس ان موقفها هو « مسألة مبدأ »، وهي تعلم علم اليقين انه لو كان مبدأ دعم تقرير المصير حقا مطلقا لا قيود له لتحولت الجزائر إلى دويلات مجهرية منذ الوهلة الأولى، ونحن نعلم والعالم معنا. أن ميثاق الأمم المتحدة لم تتم فيها الإشارة إلى آلية الاستفتاء في أي نص مرجعي متعلق بتقرير المصير. ونعلم جيدا أن الأمم المتحدة من خلال قرارات مجلس الأمن اعترفت بعدم قابلية الاستفتاء في الصحراء المغربية منذ سنة 2002 وأصبح مجلس الأمن الدولي ينبذ الحل المؤدي للانفصال، ويحث على ضرورة الحل السياسي العملي الواقعي الحل الدائم بناء على التوافق والتراضي لإنهاء النزاع المفتعل، والذي جسدت المملكة المغربية صيغته الواقعية من خلال مبادرتها للحكم الذاتي الذي يجسده تنزيل الجهوية المتقدمة التي هي صيغة لحكم ذاتي اصبحت واقعا محققا على الارض.
إذن. إن تقرير المصير بالنسبة لجهة العيون الساقية الحمراء ووادي الذهب التي هي موضوع النزاع المفتعل، وهذا الموضوع السياسي العسكري القائم بين المغرب والجزائر أولا، ولبوليساريو في الدرجة الثانية منذ 1975. أصبح يكتسي اليوم طابعا حقوقيا استحلته الجزائر. وقد استغلت فيه المقاربة الحقوقية من طرف دعاة الانفصال بركوب الحق المعروف بحق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والثقافي، وكأن هذا الحق يعني « فقط » الانفصال في موضوع قضية الصحراء المغربية، يمكن استعمال هذا الحق كآلية للأصول إلى نتيجة معاكسة للانفصال الذي حول المفهوم إلى شعار. خاصة إذا كان هذا الانفصال يشكل كارثة على أمن واستقرار المنطقة بكاملها في حالة دفع الجزائر بمليشيات البوليساريو لنشوب مناوشات عسكرية من جديد، حيث تصبح المنطقة مسرح لتجريب الأسلحة والإرهاب والتطرف، دون البحث في الخيار التوافقي، السلمي، الديمقراطي والتنموي الذي قدم المغرب صيغته، وبالتالي إذا كان الانفصال يعني الحرب والمس بالحق في الحياة، والمس بالحق في التنمية، والحق في الديمقراطية والحق في الاستقرار والسلم لشعوب المنطقة، كما تشير تقارير منظمات حقوقية دولية عديدة. يمكن لأي حقوقي أن يتخيل نتائج هذا الحرب على الواقع، فجميع الحقوق تضيع وتصبح في مهب الريح. فإذا كان الانفصال يعني الحرب فيجب حقوقيا أن نستبعده لفائدة خيار آخر وهو خيار الاتصال وعلى سبيل المثال من اهم مظاهر الاتصال المقترح المغربي بإقامة « حكم ذاتي » لإقرار سلطة جهوية قائمة الذات بأركانها وهيئاتها، المبنية على ان يتولى سكان الصحراء تدبير شؤونهم بأنفسهم كما هو واقع الان في هذه الأقاليم المعنية، لأن فلسفته لا تتعلق بصيغة الإقصاء ولا صيغة الانفصال الضيق الذي تدع وإليه البوليساريو ومن خلفها، وإنما هو صيغة وسطية توفيقية تنظر إلى منطق النزاع القائم على ارض الواقع من منظور تاريخي وإنساني للخروج من النفق المسدود الذي وضعته جملة الأخطاء التاريخية التي استحلتها الجزائر لدعم النزعة الانفصالية ضدا في حق استرجاع المغرب لصحرائه والتي انتهت تداعياتها ودوافعها ومحركاتها بعد انهيار القطبية الثنائية « الاشتراكية الماركسية ». فواقع اليوم والتحولات الدولية تملي على الجزائر الانخراط في هذا الحل الذي يمتثل لمصالح شعوب المنطقة بكاملها. يمكنهم من ممارسة حقهم في مواطنة كاملة وغير منقوصة، وينهي المتاجرة في بورصات العالم بمأساة وألام المحتجزين في مخيم تندوف بالجزائر، إن الانخراط بواسطة الأساليب السلمية والديمقراطية هي الأهم. وأن يتم استبعاد كل ما يجر إلى الدمار والشتات والقتل والتفقير والترهيب، والعودة إلى الحروب الأهلية والأثنية والقبلية التي لن يستفيد منها سوى تجار السلاح، ومجرمو الحروب، حتى ولو بدوا في ثياب سياسية بخطاب حالم وبعيد عن منطق الواقعية.
قبل أن أتحدث عن معاني تقرير المصير. يا « عزيزي الحقوقي ». أريد أن أقف عند كلمة شعب لكي أتساءل عن مفهوم الشعب الذي تحدثتم عنه. والذي لم يرد في أي وثيقة من وثائق حقوق الإنسان مفهوم شعب، وبالتالي يبقى هذا المفهوم خاضعا لاجتهادات نظريات الفكر السياسي وحقوق الفلسفة. واتركوني اخواني الحقوقيين الجدد نطرح بعض الأسئلة التي مازالت تربك المخدوعين بالشعارات المتناقضة المرفوعة والمقصودة الآن من طرف بقايا أصحاب التجريد الميتافزيقي في هذا الصراع المفتعل:
– هل الشعب وحدة عرقية او يمكن أن يكون عرقيات أم هو وحدة لغوية او يمكن أن يكون وحدات لغوية؟
– هل الشعب مرتبط بجغرافيا معينة أم ليس بالضرورة؟
– هل هو تاريخ مشترك لمجموعة بشرية؟ وهل الشعب هو كيان تنظيمي له تعبير سياسي أم هل الشعب هو كل هذا او جزءا منه؟،.
– وهل يكفي أن تخرج مجموعة سياسية عن كيانها التاريخي الأصلي وعن مواطنتها لتعلن أنها دولة في المنفى او تطالب بالانفصال من الداخل وتعلن انها تعبر عن مجموعة بشرية لتصبح تلك المجموعة البشرية شعبا؟
فإن كل هذا لا يكفي، فالمسألة تبقى في غاية التعقيد. فحالة المغرب لا تسعف بوليساريو الجنرالات الجزائرية التي أنفقت الأموال الطائلة على تسلحها، فلا التاريخ، ولا الجغرافيا، ولا الدين، ولا الثقافة، ولا اللغة، ولا حتى نمط العيش يسعفهم، فالمنطقة هي جزء من الجسم المغربي بكل المعايير والمقاييس القانونية، أما تقرير المصير، فإذا كان حقا من حقوق الإنسان فإن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان لم تحدد شكلا واسلوبا معينا لتقرير المصير، بل تركت ذلك لتجارب الشعوب والمجموعات البشرية ذات المصلحة المشتركة.
وفي نهاية المطاف لا يعني حق الشعوب في تقرير المصير دائما تلك الحمولة السياسية التي تحيل مباشرة على الانفصال وتقسيم وحدة الدولة الترابية او قلب نظام الحكم بالعنف الثوري، خاصة إذا علمنا أن ميثاق الأمم المتحدة قد نص على وحدة الشعوب والأوطان التي تضمن السلم والاستقرار والأمن للشعوب ووضعها سابقا على تقرير المصير للمجموعات.
وفي حالة قضية الصحراء المغربية، فإذا كان الأمر يتعلق بتقرير المصير، أي ممارسة الاختيار الأنسب، فإن الأغلبية الساحقة من سكان الصحراء الذين لم تطلهم يد الاختطاف ودعاية التضليل والمغالطات واستعصى على البوليساريو التغرير بهم، قرروا البقاء في وطنهم منخرطين لا إكراها وإنما بمحض إرادتهم في مؤسسات مؤطرة دستوريا بالقوانين. والمتمكنون من العودة من تندوف إلى ارض الوطن يتوافدون أفواجا للطي النهائي لصفحة الانفصال.
إذن، فساكنة الصحراء المغربية على الأرض « ما عدا » القلة القليلة المغرر بهم، متمكنين من ممارسة مجموعة المعايير السياسية التي تفيد وتؤكد المفهوم الحقيقي لتقرير المصير في إطار وطن موحد ومستقل يضمن الحق في الديمقراطية والحرية والكرامة والتنمية والسلم والاستقرار بعمق إنساني كبير. واعتقد انه إذا كان لجمعيات حقوق الإنسان من دور في قضية الصحراء المغربية. فدورها يجب أن يبدأ بمطالبة الأمم المتحدة أن تبدأ بتندوف لتنظيم استفتاء هناك لتمكين من يريد الرجوع إلى وطنه المغرب من تحقيق رغبته في العودة إن كان اصلا من سكان الصحراء المغربية قبل 1975، وتكون الأمم المتحدة قد بدأت من النقطة التي يجب أن تبدأ منها، وهو مضمون الشق الأول من محكمة العدل الدولية، وإذا بقي في مخيمات تندوف صحراويون حقيقيون نفتح بعد ذلك إمكانية الكيفية التي يريدون بها تقرير المصير على اساس خضوع الأقلية للأغلبية وهم (أقلية من الآن).
ومن هنا ندعو كل اعضاء الجمعيات الحقوقية للتفكير الإيجابي والواقعي والاحتكام الى سلطة العقل في السعي الى الدخول في الحل السياسي من اجل أمن واستقرار المنطقة بكاملها. بديلا عن بصائر الإيديولوجيات المتعفنة التي عفا عنها الزمن لبناء مستقبل سياسي نظيف ونزيه خال من السموم.