الرسالة رقم :3 الى السيد وزير التربية والتعليم
المختار عنقا الادريسي.
السيد وزير التربية الوطنية المحترم
تحية احترام وتقدير.
تابع العديد من المواطنات والمواطنين،
ومعهم مختلف المهتمين بالشأن التربوي تصريحكم الذي دعوتم فيه الأسر إلى نقل أبنائها من المدارس العادية إلى » مدارس الريادة « ، حتى ولو كانت بعيدة عن مقرات سكناهم، باعتبارها تجربة رائدة ترغب الكثير من الدول المتقدمة في محاكاتها والاستفادة منها. ولأنه موضوع يمسّ جوهر المدرسة المغربية ومستقبل أبنائنا، أجدني مجبرا – بما يفرضه الواجب الوطني – على التفاعل معه بروح النقاش المعقلن، الهادئ والمسؤول الذي تفرضه المهام التربوية والإدارية التي مارستها، والتجارب التي راكمتها.
السيد الوزير،
ان مشروع تطوير المنظومة التربوية مشروع وطني كبير لا ينجح إلا عبر الحوار المتزن والمقاربة الواقعية واستشارة ذوي الخبرات.
وفي هذا السياق، تبقى دعوتكم الأسر إلى الانتقال بأبنائهم من المدارس الأصلية إلى « مدارس الريادة « ، أثارت لدينا تساؤلات مشروعة، ليس رفضا للإصلاح ولا تشكيكا في النوايا، بل بحثا عن طمأنة واضحة حول مستقبل المدرسة العمومية.
ان المدرسة القريبة من الأسر – التي وصفتها بالفاشلة مقارنة مع البعيدة عنهم – هي ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي فضاء اجتماعيا يضمن الاستمرار العائلي والنفسي للأطفال. لذلك فإن أي دعوة إلى مغادرتها يجب أن تكون مؤطرة بتقديرات دقيقة، تراعي إمكانيات الأسر وظروفها الاجتماعية وقدرتها على تحمل أعباء التنقل والتكيف أو الاستقرار بصفة عامة.
كما أن الحديث عن ريادة التجربة المغربية ورغبة دول أخرى في الاستفادة منها، هو أمر يبعث على الاعتزاز لو استند إلى تقييمات مستقلة ومعطيات موضوعية تُقَدًّمُ للرأي العام بكل وضوح، حتى تتعزز الثقة وتترسخ القناعة بجدوى الإصلاحات الجارية.
السيد الوزير،
ان التحديات التي تواجهها المدرسة العمومية معروفة ومنها نذكر: الخصاص في الأطر، الاكتظاظ، هشاشة التكوين المستمر، ضعف التجهيزات، تفاوت الجودة بين المؤسسات واختلافها من الوسط الحضري إلى القروي …
وهذه جميعها تحديات تستدعي- في تقديري المتواضع – أن يكون الرهان الأول هو تعزيز جودة التعليم داخل المدرسة القريبة من المتعلم / ة، قبل تشجيعه على الانتقال لمسافات أبعد. وتشجيع نساء ورجال التعليم وتحفيزهم والحرص على استمرارية تكوينهم المستمر وفق كل المستجدات، عوض اهانة العاملين منهم في البادية، باعتبارهم غير مؤهلين والله وحده يعلم معاناتهم المتعددة.
وليس الهدف من هذا الموقف تبخيس الجهد المبذول أو معارضة « مدارس الريادة »، بل التأكيد على ضرورة أن يندرج ضمن رؤية شمولية لا تحدث تمييزا بين المؤسسات، ولا تولد انطباعا بأن بعض المدارس » عادية » وأخرى » استثنائية « ، بل ينبغي أن تسعى الدولة في شخص الوزارة الوصية على القطاع إلى رفع مستوى الجودة في جميع المؤسسات التعليمية دون أي استثناء.
السيد الوزير،
ان المدرسة العمومية كانت وستبقى رافعة
للترقي الاجتماعي، وملاذًا للأسر التي تؤمن بأن مستقبل أبنائهم يُبْنى عبر تعليم جيد، منصف، قريب … ومن هذا المنطلق، فإن حسن التواصل حول المشاريع الإصلاحية، وشرح تفاصيلها، وتقديم تقييمات شفافة ومنطقية بشأنها، هو جزء أساسي من بناء الثقة بين المؤسسة التعليمية والمجتمع.
وتقبلوا السيد الوزير، خالص عبارات التقدير، على أمل أن يُسهم هذا التفاعل في اغناء النقاش العمومي حول مستقبل التعليم ببلادنا، وأن تتواصل الجهود المشتركة وتتظافر من أجل مدرسة عمومية قوية، عادلة، معبرة عن طموحات كل المغاربة.
مفتش تعليم متقاعد، غيور المدرسة المغربية
طنجة في 3 ديسمبر 2025
