نوستالجيا مدراس الدار البيضاء، ثانوية الخوارزمي نموذجا

نوستالجيا مدراس الدار البيضاء، ثانوية الخوارزمي نموذجا
شارك

علال بنور

لا شك أن تاريخ مدارس المغرب، خاصة الثانويات، هو جزء من تاريخ البلاد الحافل بالأحداث. كما أن البحث في ذاكرة المدارس القديمة بالمغرب، قد ينبش في المتخيل الجماعي للعديد من أفراد الأسر المغربية، ولدى عدد من الأجيال التي تعاقبت وتخرجت من المدارس المغربية، فالكثير منا يستحضر أحداثا من الماضي داخل مدارسهم، بين تلاميذ والتلميذات، وأساتذتهم والطاقم الإداري للمدرسة، بل التذكر يشمل شغب المراهقة وكل جغرافية المدرسة، كل من مر من هنا، يتقاسمون هذه الذكريات من زمن الشقاء والتعب الدراسي، ألا تستحق منا مدارسنا التدوين التاريخي، كفضاءات حية عرفت مرور العديد من الناس؟

سنأخذ هنا نموذج ثانوية الخوارزمي بالدار البيضاء، التي مر على تأسيسها ما يزيد عن قرن من الزمن، في وجودها كمعلمة تعليمية وتربوية، التي تأسست سنة 1917 في عهد المقيم العام الجنرال ليوطي وبأمر منه، بعد عقد الحماية الفرنسية بخمس سنوات، فخصصت لها مساحة تبلغ 8 هكتارات، منها 3 هكتارات خصصت للملاعب الرياضية، إضافة إلى مشتل فلاحي بعين حروده، حيث يوجد اليوم مقر سرية الدرك الملكي. وقد كان التلاميذ يتنقلون إليه عبر حافلة في ملكية الثانوية، لازالت هذه الحافلة موجودة بقلب المؤسسة، كتراث من عهد مضى وولى.


حملت هذه المعلمة التاريخية، اسم الخوارزمي سنة 1963، حيث كانت تسمى في البداية (المدرسة الصناعية والتجارية بالدار البيضاء E I C )، كما درس بهذه الثانوية، أستاذ فرنسي كان تلميذا «لانشطاين» مما يعظم من جلال هذه المعلمة المغربية التاريخية، صرح لي زميل كان مديرا لها، يقول في الموسم الدراسي 2017 /2018 احتفلت ثانوية الخوارزمي بذكراها المئوية على إنشائها، بحضور عشرات من شيوخ التلاميذ القدماء، القادمين من فرنسا، لتخليد هذه الذكرى، وذاكرتهم لا زالت تحتفظ بكل جزئيات فترة تواجدهم بهذه المعلمة حين كانوا في صفوفها. أسماء مغربية وفرنسية تتلمذت بهذه الثانوية، وبعدها تقلدوا مناصب سامية داخل وخارج الوطن، حيث استحضروا العديد من الذكريات بأماكن معينة من مرافق هذه الثانوية، سرعان ما يتدخل أحد الفرنسيين من التلاميذ القدامى، تتعالى صيحات الفخر ممزوجة بالضحك والابتسامة لسرعة التذكر لأهمية حدث أو واقعة عاشها هؤلاء التلاميذ الشيوخ.
إنها لحظات مفعمة بالحنين وما تولد فيه من مواقف، عندما اجتمع الشيوخ الذين كانوا بالأمس تلاميذ، يتذكرون زمن براءتهم وعشقهم للمعرفة، وبذلك شكلت ثانوية الخوارزمي منارة ومشتلا لتكوين الأطر.

وهي اليوم تقوم بدورها كاملا، باعتبارها ثانوية تقنية، كما عرفت على مر تاريخها استقبال تلاميذ شعب التعليم التقني STE .STM ،إضافة إلى شعب العلوم الرياضية من التعليم العالي، كما توافر بها مراكز تحضير شهادة التقني العالي بعد الباكالوريا، وهو أول مركز يتم افتتاحه بالمغرب والأكبر من حيث الشعب التي بلغ عددها التسعة، وأيضا من حيث عدد الطلبة، وأغلبها موجهة للقطاع الصناعي ضمن قطبي، الهندسة الكهربائية والهندسة الميكانيكية.
كما تم إحداث الباكالوريا المهنية ضمن القطب الصناعي ،مسلك الهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية بالتعاون مع مركز التكوين المهني وإنعاش الشغل، ويدخل ذلك في إطار استراتيجية الوزارة الرامية لتشجيع التوجه إلى المسارات المهنية.
وتعتبر ثانوية الخوارزمي مصنع الكفاءات في خدمة المقاولات وساهمت في تكوين الكفاءات في مختلف التخصصات العلمية والتقنية، ولا تزال فصولها الدراسية ومختبراتها ومكتباتها تحمل أسماء شخصيات تحفظها الذاكرة، مرت منها. و نذكر من تلامذتها على سبيل الاستئناس الشهيد محمد كرينة الذي كان يتابع دراسته في شعبة الهندسة، ومزيان بلفقيه كان مستشارا للمك ومحمد القباج وزير التجهيز سابقا ومحمد حصاد وزير الداخلية سابقا، ومدراء بالعديد من المؤسسات المالية والتجارية ،ومنهم جنيرالات الجيش، وادريس جطو الذي تحمل مسؤوليات في الدولة، وأحمد زهود كاتب الدولة السابق والمكلف بالماء و البيئة، إضافة إلى أطر اشتغلت في العديد من الشركات منها : BERLIER – OCP – RAM – ONCF – MAROC ODPبالدار البيضاء .
ساهمت ثانوية الخوارزمي بشكل ايجابي في تحقيق التنمية بفضل تلامذتها .


لقد تعاقب على تدبير شؤون هذه الثانوية، مدراء فرنسيون ومغاربة، فهي تمثل مرجعا للتكوين التقني والعلمي الرفيع بالمغرب، ومنجما حقيقيا زود العديد من المؤسسات العمومية والخاصة بالكفاءات العلمية في ميادين متعددة، كالهندسة المدنية والتبريد ولإلكترونيك وميكانيك السيارات والنجارة والنسيج والتجارة ،إضافة الى تخصصات في العلوم التجريبية والرياضية ،ولا تزال ثانوية الخوارزمي حاضرة في إعداد و تهيئ الطلبة والطالبات لولوج المدارس العليا عبر الأقسام التحضيرية، لقد كانت ثانوية الخوارزمي في 1992 سباقة في إحداث شهادة التقني العالي BTS في تخصصات عديدة منها البناء والالكتروميكانيك والكهرباء الصناعية.. وقد نجحت في إبرام شراكات مع العديد من جمعيات صناعية بالدار البيضاء، كما تتوافر ثانوية الخوارزمي على مكتبة عبارة عن مركزا للتوثيق والإعلام مفتوحة للتلميذات والتلاميذ ونساء و رجال التعليم وكافة العموم. كما تتوافر على أزيد من 1300 مجلة تقنية وعلمية، وتبلغ مساحة المكتبة 800 متر مربع وتتوافر على قاعة للمطالعة و اخرى للندوات و اللقاءات البيداغوجية مساحتها 117 متر مربع ، اضافة الى قاعات خاصة للوسائل السمعية البصرية وأندية للقراءة وحقوق الانسان البيئة و الاذاعة المدرسية والانترنيت والشطرنج . حسب ما توفر لنا من وثائق ومعلومات ميدانية.
كما يوجد بثانوية الخوارزمي متحف جهوي يعود تأسيسه الى 1999 بمبادرة من وزير التربية الوطنية السابق الاستاذ عبد الله ساعف .الذي يرجع له الفضل في تأسيس المتحف، الذي جمع بأمر منه من مختلف المؤسسات التعليمية البيضاوية أدوات ديداكتيكية في مجال العلوم الطبيعية والفيزيائية والرياضية والجغرافية .كما يتضمن المتحف آلة حاسبة من اختراع « بليز باسكال « حيث يوجد منها نسختان في العالم، واحدة بمتحف ثانوية الخوارزمي بالدار البيضاء، ونسخة ثانية بإيطاليا، اخترعها باسكال 1642 سماها » باسكالين  » قدمها هدية لمساعدة والده لكي يسهل عليه العمليات الحسابية في ضبط الضرائب ثم أطلق عليها 1645 اسم الآلة الحاسبة. والذي توفي بليز باسكال 1662 عن عمر 39 سنة.
تعتبر ثانوية الخوارزمي، تراثا ومعلمة من معالم، مدينة الدار البيضاء، كانت ولا زالت ملكا لجميع طبقات المجتمع في مجاليه القروي والحضري، وكانت تستقبل التلاميذ من خارج الدار البيضاء ومن القرى المغربية ،إلى حدود سنوات السبعين من القرن الماضي، وكان التلاميذ بها يسكنون داخلية الثانوية ويتقاضون منحا دراسية، كما كان ولوجها يقتضي التوفر على الكفاءة العلمية، وأتاحت لأبناء المغاربة تكوينا رفيعا، في وقت كانت فيه المدرسة العمومية تلهب أدورها كاملة في بناء شخصية المتعلمين وتأهيلهم للتدرج في المناصب والوظائف وتتيح لهم إمكانيات الترقي الاجتماعي، وتعزز فيهم روح الانتماء الوطني.

admin

Un commentaire sur “نوستالجيا مدراس الدار البيضاء، ثانوية الخوارزمي نموذجا

  1. شكرا جزيلا ، نعم إلتحقنا بالثانوية مجموعة من ثلاميذ امزاب ( ابن احمد) سنة 1972مإلى 1975م حيث ساهمنا في تنشيط المؤسسة كمتطوعين في عدة مجالات منها : الترميم عامة ، تنشيط الفني المسرحي والسينمائي ، الرياضة ، حيث شاركنا عدة أنشطة وطنية بإسم نادي الثقافي للخوارزمي منه تقديم عروض مسرحية بمسرح البلدي والذي كان يسيره المرحوم الطيب الصدقي ـ وكذلك مسرح المعرض الدولي وتقديم عرض مسرحي بالقناة الأولى بالرباط ( برنامج المواهب للمرحوم الأستاذ عبد النبي الجيراي ) وهذا راجع للمسيرين والمسؤولين بالمؤسسة الذين كانوا يحبون الخير للعباد والوطن حيث كانت الشركات باليضاء تساهم في التكوين والتشغيل والحمد لله من هذه المؤسسة اشتغلنا شغلا قارا واليوم متقاعد هذا من فظل ربي الله ارحم من علمنا ومن وجهنا توجيه حسن وساعدنا لله وحده وشكرا لكم

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *