يا .. كرة تدور

يا .. كرة تدور
شارك

القاص عبد الحميد الغرباوي

إلى حفيدِي إيليان و سبطيَّ رضا وآدم

 

في المركز الصحي التابع لمنطقة سكناه في درب الفقراء، وقف ينتظر دوره لأخذ جرعة التلقيح  ضد فيروس كوفيد 19.

كان دوره يحمل رقم  » 330″

المكان مجال خصب لانتقال العدوى، هذا إذا كان ثمة احتمال أن يكون الفيروس يحلق في فضائه كحشرة بعدة قرون، حشرة غير مرئية طبعا. ومع ذلك يصحب الكبار معهم أطفالهم، ويتركونهم ينطون من مكان إلى مكان كأرانب صغيرة في صخب، يقفزون درجات السلم الإسمنتي صعودا وهبوطا، معرقلين صعود ونزول كبار السن في غير مبالاة.

نبه طفلا إلى وجوب اللعب بعيدا عن السلم في الحديقة الصغيرة المحيطة بالمبنى والمليئة بعبوات المشروبات والحليب ومشتقاته الفارغة.

توقف الطفل لحظة يتأمله، ثم قال له:

ـ هل أنت أستاذ؟

مبتسما أجاب:

ـ كنت أستاذا، أنا اليوم متقاعد.

ـ و طبيب؟

ـ لا

ـ مهندس؟

ـ لا.. لا يمكن أن تكون أستاذا وطبيبا ومهندسا ! وظيفة واحدة تكفي، كل ما هو مطلوب منك أن تتقنها وتخلص لها.

غيرت جدية واضحة ملامح الطفل وقال:

ـ أنا أريد أن أكون لاعب كرة قدم..

وقبل أن يسأله عن السبب، أضاف قائلا، كما لو أنه كان يتوقع منه السؤال:

ـ يجني لاعب كرة القدم أموالا كثيرة.

عزف عن الكلام يتأمل وجهه المفعم بالأمنيات والأحلام و، وقال يخاطبه في داخله:

 » ليس بالسهولة التي تتصور يا بني !.. وتذكر حكايتين للاعبين أفريقيين:

ـ 1 ـ

ماني

 

مازلت أذكر اليوم الذي جئت فيه إلى فرنسا لأخضع لاختبارات والتوقيع لفريق ف. س.ميتز ( FC Metz ) لكرة القدم. كان من المفترض أن أتدرب في اليوم الذي وصلت فيه غير أن المدرب طلب مني البقاء في البيت. و لم يكن لدي أي حساب في بطاقة هاتفي للاتصال بأمي و إخبارها بأني في فرنسا.

في اليوم التالي، ذهبت مع بعض أصدقائي الذين كانوا بالفعل في ميتز (Metz) لشراء بطاقات. اتصلت بها وأخبرتها قائلا:

 » أهلا أمي أنا في فرنسا« 

ردت قائلة:

« كيف، أي فرنسا؟« 

لم تصدق !

قلت:

 » فرنسا في أوربا« 

ردت:

 » ماذا تعني بأوروبا؟ أنت تعيش في السينغال، من المفترض أن تكون عند عمك« 

فقلت لها:

 » نعم، لكني الآن أنا في أوربا « 

كانت مندهشة ، بدا الأمر جنونيا! كانت مندهشة جداً درجة أنها كانت تتصل بي كل يوم لتسألني إن كان هذا صحيحاً. لم تصدقني حتى أخبرتها أن تذهب لمشاهدة التلفاز وتراني ألعب. وفهمتْ أخيرا أن حلمي قد تحقق.

 

ـ 2 ـ

مامادو ساكو

 

عرفت أني سأكون لاعب كرة قدم عندما كنت في سن 13 سنة، يوم فقدت والدي.

حملت على الفور على عاتقي كل مسؤوليات عائلتي. أصبحت رجلا.

بالنسبة لي، لم يكن هدفي أن أصبح لاعب كرة قدم. بل كنت مضطرا إلى ذلك.

أمس ، سألني شخص ما إذا كان من الصعب أن أكون قائد « بي إس جي » في 17سنة. أجبته: « أصعب شيء بالنسبة لي كان أن أصبح قائدا لعائلتي في 13 سنة« .

كنت في الشارع أتسول، وطلبت من امرأة قطعة نقدية فتمسكت بحقيبتها، وكأنني أريد سرقتها. لقد صُدمت. كنت أريد نقودا لشِراء الخبزِ فقط، لَكنَّها اعتقدت بأنّني كُنْتُ أريد أن أسرق حقيبتها.

في ذلك اليوم ، قطعت وعداً على نفسي. قلت:

« اليوم أنا جائع وتعتقد أنني سأفعل شيئا خاطئا. لكن عندما أُصبحُ شخصا ما ، عندما أَمتلكُ شيئا ، سأعطي مما أملك. »

أنا خبرت الجوع، وخبرت البرد. كنت أتسول لإطعام عائلتي. تلك كانت حياتي عندما كنت طفلا. لكنني لا أحب أن أتحدث عن ذلك، لأني شخص يعتز بنفسه.

لكل شخص منا تاريخه الخاص. إنها حياتي التي تجعلني أرغب في رد الجميل. عندما يكون لديك قليل من الشهرة، يمكنك استخدامها بطريقة إيجابية. هذا ما أحاول فعله. لكنني لا أريد أن أكون مثالا يُحتذى به في الكفاح والإصرار على النجاح في الحياة. أبدا. أريد فقط أن ألهم الناس « .

كان مُناديا ينادي من الداخل مرددا:

 » 330..صاحب الرقم 330″

فأسرع إلى دخول قاعة التلقيح..

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *