الشباب والسياسة والانتخابات والأمل المتبقى
فؤاد الجعيدي
الشباب يصر اليوم وبإلحاح، على المشاركة في الحياة السياسية، لكن يصدم، بواقع عنيد أن الأحزاب لا تريد أن تنفتح على الأجيال الجديدة، والتي لم تعش عهود سنوات الرصاص والقمع الشرس، ولم تطلع على النظريات الاشتراكية، التي ألهبت مشاعر العديد من شباب مرحلة القرن الماضي، والتي وجدت في الثقافات الإنسانية موسيقيا وشعريا وأدبيا وسياسيا، ما يشعل جدوة الشعور بضرورة تبني مواقف الثوار، الذين صنعوا الأمجاد في أفق الانعتاق من الهيمنة الإمبريالية على الشعوب.
لقد طوت البشرية حقبة من تاريخها، » بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك المعسكر الشرقي، لنستيقظ على واقع جديد انتصرت فيه الرأسمالية، وبشر دعاتها، بهيمنة اقتصاد السوق، وتبضيع كل القيم الإنسانية، وفي ذات الآن عملت الرأسمالية على تشجيع النزعات الدينية المتطرفة، لتقود بها حروبا بالنيابة عنها، في مجموعة من الأوطان العربية .. مات جيفارا الطبيب المتخلق الذي واصل معركته في أمريكا اللاتينية من أجل مثل العدالة الاجتماعية والانعتاق والحرية، حتى سقط جثة وبعدها، أتى تمثيل الأعداء بها.
وجاء بعده بن لادن، يبشر الشعوب العربية من أحراش أفغانستان، أنه قادم لنشر الدعوة إلى الله، بقوة السلاح وإزهاق الأرواح، ثم مات في عملية خاطفة، استغلتها الإمبريالية لإيهام الناس أنها الرقيب على كل البقاع..
خلف بن لادن الظواهري والزرقاوي، هذا الحطب الذي تغذت منه حركة الطالبان والقاعدة والنصرة، ورافقهم الدعاة الجدد الذين ينشرون الدعوة على هواهم السياسي..
ضاعت الرؤى واختلطت المفاهيم، لهذا الشباب الذي بات يرى في السياسة، ليس الدفاع عن الحق في الحياة والحرية والتقدم، بل اقتنع جزء عريض منهم، أن يطيل لحية ويرتدي لباسا فضفاضا، ونعالا من الجلد الخشن والمنفوخ، يتصيد الناس في أفراحهم ومآتمهم ويجهد نفسه في إقناعهم، بالدين الصحيح من فتاوي تلقفها من شيوخ لا يأخذ كلامهم الباطل. أو من زعماء سياسيين الذين يبشروا بحكايات عن السلف الصالح، ويروجون كذبا وبهتانا عن الغرب حكايات وأساطير في نعل الملل.
كانت التكنولوجيا الرقمية، تخلق فضاءاتها بمواقع التواصل وتعري كل الأكاذيب، ووجد من استغلها لتوجيه وعي الناس، عبر الذباب الالكتروني.
لكن كان الشباب في غمرة كل هذه الأحداث، كان ينفتح بقوة وبمعرفة لا سابق للبشرية بها، عما يجري في هذا العالم من صراعات ومن مواقف، وعلمته هذه التكنولوجيا كيف ينتصر لرؤاه عن العالم وكيف يكسب المال، بإعادة إنتاج السخرية ورفع صوته بين جدران غرفة ضيقة، ويحاكم ما يراه.
وصارت البطولات، تنتج بعروض المفاتن اليومية للمراهقات اللواتي خرجن للفضاءات العمومية، والتلويح بعيون كاميرات الهواتف الذكية على صورهن المكتنزة، أو تعريض مؤخراتهن للإيقاعات السريعة..
هذه الظواهر، ضايقت المدرسة والأسرة في مهامهما لتربية الناشئة، ولرسم مسارات مقبولة في الحياة الاجتماعية، وفيها اختلط الحابل بالنابل..
الدولة أدركت تحولاتها المطلوبة في هذا السياق، وأخذت بزمام المبادرة للقيام بالإصلاحات الكبرى، لكن الأحزاب السياسية لم تواكب هذه التحولات العميقة، على الأقل على مستوى الممارسة الديمقراطية.
وظل الزعماء السياسيون في بلادنا لا يجددون من خطابتهم ولم يلعبوا الأدوار التنويرية المطلوبة في التأطير الجماعي، في حين ترك المجال أمام التيارات الدينية، لتعمل على تسيس الشباب بخطابات شعبوية، لا تؤمن الخبز ولا السكن ولا الصحة، لكنها استهدفت التعليم، لإفراعه من كل محتوى أو مضمون يشجع على استخدام العقل، ومستعد لتبرير كل الفشل الاجتماعي، بالتحليل العاطفي والانفعالي والغيبي، في رؤيته للذات وللعالم.
في هذا المستنقع تاه الشباب، وارتموا في لوائح الأحزاب دون خلفيات سياسية ومعرفية، وغدت البرامج متشابهة والمشاريع متماثلة، تنهض من الموجود والمهيأ سلفا من الدولة، لتعيد اجتراره بتصورات تفتقد لروح الإبداع المطلوبة، في عصر فقد في الناس هويتهم الاجتماعية والطبقية، وبإطلالة سريعة على اللوائح الانتخابية توحي لنا، أن المسخ بلغ مداه، إلا من رحم ربي ولا زال مؤمننا بأن التغيير ممكن، وأن هذا التغيير بالذات له رهان واحد، مدى القوة في تعبئة الشباب وقيادته بالمشاركة والانخراط وليس اعتباره قطيعا قابلا للجري وراء زعيم لم يفقد هواه للكعكة التي عودته على حلاوتها.
الأمر اليوم مخيف ومثير للشفقة، أن الزعماء في عمومهم لا يتوفرون على القدرات التواصلية المطلوبة في الزعماء، ولا يجيدون الإنصات لما يحبل به الواقع المغربي من هموم وتطلعات، ولا يأتون إلى منصات الخطابة في التجمعات بكلام موزون وبرؤى علمية مضبوطة وأهداف واقعية ودقيقة، بل يعتمدون على ما في الصدور، ويشبهون أصحاب الحلقة وإن بتمثلات أضعف، ويقدمون عروضا لم تعد لتقنع أحدا.
