المغرب دولة عريقة ودولة المؤسسات
عبد العزيز شبراط
كنت قد قررت أن لا أعود للكتابة حول خسارة العدالة والتنمية في انتخابات الثامن من شهر شتنبر 2021، ولكن ما قرأته في بعض الجرائد الالكترونية وغيرها، بل و حتى ما سمعته من أفواه بعض المحللين على بعض القنوات الفضائية، التي لا يهمها محتوى الرأي أو مصداقيته، بقدر ما يهمها فقط ملئ الفراغ و اتخاذ موقع تناول المواضيع الراهنة، ولو فقط عبر العناوين الجذابة بحثا عن عدد محترما من المشاهدين لأجل الاشهارات، وأول ما أقلقني بشأن هؤلاء الكتاب والمحللين و اتفاق معظمهم، أن توقيع الأمين العام لهذا الحزب على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، هو السبب الأساس في النتيجة المحصل عليها، بينما الواقع ليس كذلك، وحتى لا تطنب في هذا الموضوع، نتذكر فقط أن المغرب كانت له علاقات مع إسرائيل قديمة قبل مجيئ حزب العدالة والتنمية للحكومة، بل وكان لإسرائيل مكتبا للتواصل بالرباط.
ما وقع في حقيقة الأمر، أن حزب العدالة والتنمية خذل المغاربة ونقض عهده تجاههم، فذاكرة المغاربة قوية ولا يمكنهم أبدًا أن ينسوا الرياح التي جاءت بحزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة، كما لا يمكنهم نسيان التحاق هذا الحزب بالمسيرات التي انطلقت في شوارع البلاد بتأطير شباب عشرين فبراير، كيف لهم أن ينسوا ذلك، فالعدالة والتنمية أخطأت التقدير، وظلت تعتبر أن فضل تجاوز الربيع العربي يعود إليها، كما ظل عبدالاله بن كيران يمرر ذلك من حين إلى أخر، وهذا الأمر وحده جعل المغاربة يكرهون هذا الحزب وقياداته، التي نفت جميعها كل ما قام به شباب عشرين فبراير، ونسبوا كل تلك الانجازات لهم وحدهم، من بادر الى تعديل الدستور؟ أليس المؤسسة الملكية! من فتح المجال للانفراج؟ أليست المؤسسة الملكية، لماذا إذن يكرر حزب العدالة والتنمية أسطوانته المشروخة تلك؟ إنه سوء التقدير، من منح العدالة والتنمية الصدارة في انتخابات 2011؟ اليس أولئك الذين نادوا الى المسيرات بالشوارع؟ وليس غيرهم، إنه مرة أخرى سوء تقدير العدالة والتنمية الذين ظنوا أن من صوت لهم هم قواعدهم فقط.
قادة العدالة والتنمية أصابهم الغرور وظنوا أنهم ( قطعوا الواد او نشفو رجليهم) ما معنى أن يصيح أحد عناصر قيادتهم في وجه المغاربة جميعا وهو يهددهم بإسكاتهم وهو يعني الفايسبوكيين حينما قال » أنهم يستعملون الديبشخي وسنتصدى لهم، هل تريدون ان نشتغل بيليكي » لقد نسى هذا القيادي أن الرياح التي قادتهم الى رئاسة الحكومة هو التنسيق الذي حدث عبر الفايسبوك لخروج شباب عشرين فبراير الى الشارع، كما نسوا أن هؤلاء نفسهم هم من نظموا حملة المقاطعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما نسوا وهذا هو الأساس أن هؤلاء هم نفسهم من قادوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي يدعون فيها الناخبين للذهاب الى صناديق الاقتراع والتصويت لأي كان إلا لحزب العدالة والتنمية.
كل من يعتقد أن التطبيع هو من أسقط حزب العدالة والتنمية فهو واهم، لا يمكن للمغاربة نسيان تحرير المحروقات، ولا المساس بمكاسب التقاعد حد السن أو التقاعد النسبي، ولا شعارات العدالة والتنمية محاربة الفساد والريع و الاستفادة منه، الم يستفد زعيمهم من تقاعد ريعي، لم يحصل عليه أي رئيس دولة ديمقراطية في العالم، كيف يمكن للناخب التصويت على حزب يفعل ما يخالف المنطق، هل يمكن للمغاربة نسيان ما قاله عبد الالاه بن كيران بشأن ناهبي أموال البلاد: » عفا الله عما سلف » ما معنى هذا الكلام؟ ألم يدافع الحزب عن تقاعد البرلمانيين والوزراء؟ ألم يستفد قادتهم من تعويضات متعددة؟ ألم يمارس قادتهم الحرام؟ هل يمكن للمغاربة نسيان » المساعدة على القذف، والتدليك وسرقة زوجات الناس و التمتع بالحياة جوار » le moulin rouge » بباريس؟ والامثلة كثيرة في هذا الصدد يمكن تعدادها الى الصباح، إنه الغرور وسوء التقدير، غاب عن قيادات حزب العدالة والتنمية، أن المغرب دولة عريقة وهي دولة المؤسسات، والحكومة ليست سوى مؤسسة من بين مؤسسات أخرى، غاب على قيادات العدالة والتنمية أن المغرب لم تتعطل فيه دواليب الدولة وغيرها، إبان ما سمي ب » البلوكاج » الذي دام ما يفوق ستة أشهر حتى أن المغاربة تمنوا لو تستمر الأمور دون حكومة.
يجب أن يعلم الجميع أن المغرب استثناءً فعلا وليس فقط قولا، وباعتباري كاتب رأي حر ومستقل أرفض كل من يقول أن المغرب ساير الإخوان، حتى تمكن من التخلص منهم بطريقة ديبلوماسية، وبأسلوب فيه حنكة سياسية، هو ضرب من الخيال، وأعتبره إهانة لبلادي ووطني، ومؤسساته وشعبه، بل وإتهام صريح على وجود تلاعب في نتائج الانتخابات، فأي عبث هذا؟؟ وأي صبيانية في أساليب القول وطرق الكلام هذه التي تصدر عن هؤلاء المحللين وتلكم القنوات؟ بل صدرت حتى عن بعض قيادات حزب العدالة والتنمية، الذين أعلنوا عن عدم قدرتهم على تفسير ما حدث أو من وجه الاتهام الى الدولة العميقة، وفي نظري إن كانت هذه الدولة العميقة هي من وقفت خلف ما حدث، فإني افتخر بوجودها.