نهاية الإنسان
بقلم : عبدالحق الفكاك
نتيجة لحالة الإحباط السياسي والاجتماعي، التي يعيش عليها المجتمع المغربي والعربي بوجه عام وجد المثقف العضوي نفسه في وضع لا يحسد عنه، إذ عليه أن يتصرف، أن يقوم بشيء ما.. أوعلى الأقل أن يقول كلمته الاخيرة، قبل فوات الأوان .
لقد حدثت عدة متغيرات، على الأقل لم تعد السلطة وحدها تمثل الخصم التقليدي الوحيد، ولما لم تتوقف في أن تراوده على نفسه، فإنها تمكنت من إسكاته لفترات متقطعة بشتى الطرق إلى أن استنزفت قواه لعقود خلت ،
واليوم، وبعد أن اشتدت رياح الغزو الفكري والثقافي، الفرنكوفوني منها، والانكلوساكسوني، وكادت أن تعصف بكل شيء .
فقد اصبح له خصوما جدد، تتزعمهم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نصبوا له العداء وحاولوا أن يجردوه من كل انتماء .
وهاهم قد جعلوا منه أضحوكة العصر، وحولوه الى دونكيشوط آخر يحارب طواحين الرياح، كما أن السلطة نفسها لم تعد بحاجة إليه: لا لمبارزته، ولا لمداراته ، إذ لديها من أنصاف المثقفين ما يكفي لتلميع صورتها .
ووسط هذه الزوبعة المفتعلة والفوضى القائمة شعر وكأن الجميع أصبح ضد الجميع و أن الارتجالية صارت شرعا ومنهاجا.
وها هو العالم في تحول مستمر ولم يبقى أمامه شيء تابث .. فقد سيطر العبث وصار سيد الموقف !
هو اليوم على يقين بأن ليس السياسي وحده من يرفض التدخل وانتقاد المثقف، بل الأكثرية كذلك لات خفي رفضها ل » حشرية » هذا الذي يسمي نفسه مثقفا .
ولأن المثقف المزيف أبدع في كل أنواع التهليل والتطبيل وراح يمدح الشجر والبشر.. والحجر ، طمعا في دُريهِمات، محاولا ملء الفراغ ولو بكسرة خبز ممزوجة بكثير من الدل و المهانة ؟
لذلك وجد نفسه غريبا في زمن متعفن، يقف مندهشا من هول ما يسمع ويرى، وكيف تنكر رفاق الامس، وصار أكثرهم يعيش في غياب دائم، مادام الآخرون قبِلوا عنوة بالانبطاح والخنوع .
أما هو – ذلك المثقف الذي مازال يتحدث بلغة المقاومة ويؤمن بحتمية التغيير معتقدا بوجود دول الممانعة ويعتبر نفسه حليفا طبيعيا لضحايا الإمبريالية – ما عليه إلا أن يتراجع إلى الوراء، طالما لم يعد بإمكانه حمل الآخر على تقبل أفكاره البالية .
ثم إنه ليجد صعوبة في التحدث للناس حول مخاطر التمييع والعولمة.. وووو ، فالغالبية العظمى من البسطاء سقطوا في فخ الاقتراض هَمُّهُم الوحيد الحصول على قبر الحياة ليُدفَنوا به وهم أحياء ..
كما أن الكثير من الرفاق إما قد غيَّبهم الموت، أو تراهم قد استسلموا للموت البطيء بعد أن تاهوا وسط المحن و المطبات .
لدلك كان عليه أن يتخذ قرارا ما، وربما خطر في باله أن يحرق كل أوراقه وكتبه القديمة ويعلن للناس وفاة الإنسان … وذلك أضعف الإيمان .
