السياسة والنضال في حاجة إلى القيم الإنسانية

السياسة والنضال في حاجة إلى القيم الإنسانية
شارك

فؤاد الجعيدي

الأجيال التي كانت في المواجهة المباشرة مع الاستعمار الفرنسي، وبكل حساسيتها الفكرية والسياسية والمذهبية، كانت تتحلى بالقيم الإنسانية، في التضامن والتآزر وصيانة أعراض الناس والأهم من كل هذا أن الرجال في خلايا المقاومة، رغم شدة التعذيب وقساوته في المخافر والغرف المظلمة، لا يكشفون عن رفاقهم في شبكات المقاومة، بل كانوا يحملون معهم حبوبا سامة يدسونها في أفواههم لحظة اعتقالهم لتظل خلايا المقاومة حية وقوة ضاربة للمصالح الحيوية للمستعمر.

بل المقاومة أبدعت صيغها في نعت المتعاونين مع سلطات الاحتلال بالخونة أي خانوا العهد في تقديم التضحيات المطلوبة لتحرير الوطن.

احتضن اليسار الوطني هذه القيم وعمل على توطينها، في نفوس العمال والفلاحين الفقراء والطلبة والمثقفين المتنورين، وعشنا زمنا بتنا نصطلح عليه دون مركب نقص بسنوات الرصاص، لكنها كانت سنوات غنية بالعطاء السياسي والفكري وكان فيها الاحتفال قويا باستقطاب مناضلين لتغذية هذه الحركات الناشئة والمتجذرة في قلب المجتمع في الضيعات الفلاحية والمعامل والمدارس والجامعات والأحياء السكنية.

وعشنا آمالا قوية في تطوير الديمقراطية وحق المشاركة المسؤولة والبناءة في الحياة السياسية في مساراتها التي عرفت مدا وجزرا، وعاشت انتصارات لم تخل من انتكاسات عظيمة للأحلام وإجهاضها.

في الحركات الاجتماعية لا وجود لمقولات اليأس، فقط علينا جيدا أن ننصت لنبض المجتمع، وهو المدرسة الحقيقية التي نتعلم فيها المعنى الحقيقي للنضال الاجتماعي والسياسي، وفي هذه المدرسة يكون فيها الشعب هو المعلم الأول، يستخرج الخلاصات عن كل من يقدم نفسه حلا للمآسي الاجتماعية التي يراكمها ويكابدها البسطاء وبالتالي تتعرى أمامنا الحقائق كما ينبغي أن تكون، خارج الشعارات.

ما الذي تعرى اليوم؟ اليسار لم تعد له تلك الجاذبية التي كان الناس فيها يسترخصون حيواتهم من أجل أن يحيا الوطن حرا وسعيدا، صار اليسار أشبه بمحلبات في يد زعماء لا يملكون حلولا لتدبير يومهم وصاروا ماكينات لإنتاج التفاهة بخطب رديئة تنتفخ فيها الأوداج وترتفع غيها الأصوات بالصياح.

من لم يقنع مواطنين في دائرة انتخابية، أي وجه له ليتكلم عن أحلام أمة، وكي تكون كذلك عليك أن تكون قد طلقت الطلاق الثلاث كل القيم الإنسانية المتعارف عليها كونيا وعلى رأسها حق رفاقك في الاختلاف معك وصيانة هذا الحق المقدس الذي جبل البشر عليه وتناصره اليوم الثقافات الحقوقية التي تترافع من أجل الفوز به وترسيخه.

لم تعد فكرة الحزب تقنع شباب المغرب وخريجي الجامعات والمبدعين في التكنولوجيات الحديثة ومصممي البرامج.. وهم يرون في هذا المسرح الاجتماعي كيف أن زعيما مثل الحاج نبيل ورفيقه لشكر يجتهدون لاستبلاد تنظيمات عريقة في التضحية والعطاء ويحوزونها مثل تحويز أراضي الجموع.

كفى عبثا، السياسة تغيرت معانيها، كما الفكر الاشتراكي الذي يسجل اليوم حضورا قويا بين المحافظين بالولايات المتحدة الأميركية وأروبا، على مستوى النقاش الفلسفي للخروج من الأزمات الضاربة التي لا تبقي ولا تذر على أخضر ويابس.

اليوم المطلوب حل التناقضات بين هذا الإنتاج الوفير في السلع والبضائع وعدم قدرة الناس على استهلاكه ولا شيء جاءت به الاشتراكية سوى تفكيك هذا التناقض الذي يفجر الأوضاع الاجتماعية ويغذي الثورات.

السياسة اليوم هي مدى القدرة على إنتاج الأفكار وتحضير البدائل بالنقاش الديمقراطي، وكيف نقنع أصحاب القرار والمال على أن الدولة تهيء البنيات الطرقية وتمد قنوات الماء والكهرباء وتمنح الأرض بأسعار تفضيلية للخواص وبالتالي لا يستحضرون سوى معادلة مراكمة الثروات ولا يقرون بالكلفة الاجتماعية وعوامل الاستقرار والتقدم والرفاه الذي يستفيد منه الجميع لتستمر الحياة.

السياسة لم تعد تعني التنابز مثل الديكة، لكن في مدى قدرتها على إيجاد المشاريع وإنتاج الثروة، وهذا أمر ممكن إن تخلصنا من الجمود العقائدي الذي لم يعد ينتج خبزا ولا دواء.

من يتصارعون مع الحاج نبيل مثلهم مثل من يداعب ميتا وينتظر منه التجاوب، لماذا أصر على هذه القناعة، لأن الحاج ومن والاه حين اطلعوا على الوثيقة السياسية والتنظيمية لتيار سنواصل الطريق، عملوا على تبخيسها علما أنها كانت تتسم بالجرأة والشجاعة في تحليل الأوضاع الداخلية للحزب وأخطائه وتستنتج الخلاصات المفيدة لترميمها، ومن رفض أطروحتها،  جاء بباطل سماه وثيقة لتأطير النقاش داخل صفوف الحزب وهي بكل مقاييس ومعايير الفكر السياسي الحديث، عبارة عن استمناء لمراهق سياسي لم يكن في يوم من الأيام مناضلا في الجبهات الاجتماعية ومرافقا للجماهير والنضال بجنبها على حقوق مشروعة، بل أتى وفي ظروف معينة كان يجتازها الحزب وفي فمه ملعقة من ذهب.

لا يكفي اليوم أن توهم الناس بالنضال ولا الاستقواء عليهم بعمارة نصبت لها مديرا، وتريد تنصيب المزيد من الحراس على محلبة أعلنت إفلاسها منذ عقدين من الزمن، لكن الدرس القوي هو لا سياسة بدون قيم وأخلاق، وبدون جرأة على الاعتراف بالفشل وبالتالي حان الوقت لبعض الوجوه الانسحاب من الحياة السياسية إن بقي لها ما تخجل عليه.

لا يكفي اليوم أن يثق بك الناس وأنت تخاطب رفيقا لك بلغة ساقطة ( سير تقو…) وأن تجيش فيدورا على رفيقة وديعة وخجولة وتطلب انسحابها من مقعدها بالمكتب السياسي الذي أمنه لها، مؤتمر وطني كأمانة وهي أهل لها برصيدها النضالي في صفوف الحركة النسائية، ورفيقها العضو السياسي الذي  أمرت حوارييك بمصادرة حق سياسي له في الحضور والتعبير عن اختلافه معك في المقاربة..

الزوبعة التي خلقتها ما كانت تستدعي كل تلك الانفعالات التي أبديتها، وأن لا تعود لجلستك حتى يغادرون قاعة كنت تريدها مكيفة على هواك.

تلك كانت نقطة ضعفك والنقطة التي أفاضت الكأس وبعدها بت تعقد جلسات الطرد لتطويع ما تبقى ووصل الأذى للشبيبة وبعدها فقدت كل التقدير والاحترام.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *