لن تستطيع معي صبرا على هذا المخيال
د. سعيد ألعنزي تاشفين
تقول السّماء الفاتنة بصوت جميل رتّبتك سجايا الحزن الأنيق ، وأنذرتك مواعيد الهطول، ورمّمتك حصيات الخواطر، ثم اتّسَقت بأغاني عصافير الخريف أُنسا يرمّمك كوحدتك الشامخة على ترهّات اليومي لِمامَا؛ وتقول السماء الحصوف: أنبأتني الزُّرقة عن خطى المحراث على حضن دفء كحبّة قمح تريد أن تصير حقلاَ، والويل عن الليل من الليل و منّي شذرات ثقيلات وحزينات وصامتات كالكمانجات في بيدر الجفاء ، والظمأ عن قطرات الغفيلة يقضّ هدوء النسائم العِجاف. وأنا أنبأتني مواعيد الدُّجى عن جنوح الاغتراب منهم ومنّي ومن رتابة المآل، ووابل البُهرج الخَدّاع عن شرود العتمة وابتسامة النُّجيمات في أحشاء شذرتي .
قالت السّماء للسّماء، كما قلت لأناي، كيف نذاراتك وهزائمك في معترك العمر، فأجابت الأخرى متنهّدة قالت موكبك مع قدح الأتاي على شرف الليل على ذكرى الذين يقطنون القلب الجريح، وأجابت الأولى يدبّر أمرك ولا علم لك، فواصل دربك نحو مُقلتي صمتك الوديع، وكفى به بالمغتربين رحيماً. وتسألك على حين حزن يجيء إليك منك قريرتُك وغفيلتُك وتجيب: دسّيني منك في حزمة الزوال الحرون .
سماؤك يا سمائي، وحزنُك يا حزني، وشذراتُك ترانيم بألف لحن شجيّ ، فأين فيلق الأسماء !
تلك سماء صاهرت بحزنها المغنّين والشعراء، وهذي سمائي لا تخوم بها إلاّ للشجون، وانتظار المواعيد التي لا تأتي إلاّ طائفة بخواطر الغرقى مُتعثرة بين دروب الروح ولا تثريب إن لم يرحل ليلي، ولكنها غيمة الهطول، ولم تسقط حشرجة حرفي و لكنه رمي البذار، ولم تعتّم عيوني ولكنه فوج التقاط النور إيذانا بولادة الصّبح الخدّيج، وخطوي لم ينعرج ولكنه اتقاء الشائكة على جنبات الصمت .
وهذا ما بقي منّي لم يتغير أبدَا ، و لكن لَحظ شذراتي ينظر لغير انتباه الهنيهة؛ فيؤنس اغترابي ، فأمضي مُخترقا تفاصيل الليل على نغمات فيروز ، و صمت المكان هنا تؤثثه نكهة مكتبتي الكئيبة في زمن الهجر المبين نحو اللانتماء المرتجى، وبعد أداء اليمين على شفاه الأسفار وفاءَ لاغترابي، أقبّل قدحي، ثم أبدأ المونولوغ على خاطر وسادتي ، فأنام ..