* أم العريس *

* أم العريس *
شارك

قصة قصيرة.

بقلم/حبيبة المحرزي تونس.

أفاقت باكراً كعادتها. أعدت القهوة ووضعت شرائح الخبز المحمر وقليلاً من زيت الزيتون والجبن والبيض المقلي في الطبق، واتجهت إلى غرفته بتؤدة…

في الطريق رأت ابنتها تستعد للذهاب إلى الجامعة، توقفت قليلاً في الرواق قائلة:

— حبيبتي، لا تتأخري.، فاليوم خطبة أخيك، يجب ألا نتأخر، علينا أن نكون في الموعد.

لم تنتظر إجابتها، بل مضت إلى غرفته تدب دببياً كي لا تزعجه في هذا اليوم الذي ظلت تنتظره منذ توفي والده وتركها تصارع الحياة لتعيل طفلين صغيرين لا سند لهما غيرها… رفضت كل العرسان… آثرت هناء طفليها… انكبت على آلة الخياطة ترتق بها ملابس صديقات وجارات، أو تخيط لهن الحفة وأغلفة الوسائد لأنها لم تكن تحسن التفصيل… ابتسمت وهي ترى ذلك الطفل الشقي يكبر، ويتخرج، ويعمل موظفاً في البنك، واليوم سيخطب صديقته في العمل، ابنة أحد الأثرياء. لكنه أوصاها بألا تذكر أنها خياطة. شعرت بحرج، لكنها تراجعت… ما ضرها في ذلك، لن تذكر معاناتها وسهرها من أجله وأجل أخته… هي لم تقم إلا بالواجب…

البارحة باعت السوار الوحيد الذي ورثته عن أمها… تمنت لو أهدته لخطيبته ليكون همزة وصل بينهن، لكن هذا الجيل يتبع الموضة… اشترت بثمنه سواراً من الذهب الأبيض… دست الصندوق الأحمر المخملي في محفظتها اليدوية… لن تعلمه به… ستفاجئه وخطيبته بالهدية مع خبزة المرطبات التي أوصت أكبر محل بإعدادها.

دفعت الباب بحذر… توقفت… أين ذهب؟ هو لا يعمل يوم السبت… البنوك مغلقة… شيء ما اختض في صدرها. عادت أدراجها إلى المطبخ، وضعت الطبق وأسرعت لتطلب من ابنتها أن تهاتفه من هاتفها الجوال، لكنها سمعت الباب الحديدي الخارجي يصفق…

عادت إلى المطبخ تحتسي قهوة مرة، ثم تذكرت أنها لم تأخذ أدوية السكر والضغط والروماتيزم. لكن شيئاً ما بدا لها غير عادي… فراشه مرتب، وليس من عادته أن يهتم بنظام ولا تنضيد… قد يكون قضى الليلة عند أحد أصدقائه الذين تعود السهر معهم… هي تنام باكراً، ولا تدري متى يعود… لكن اليوم يوم استثنائي… لامته في سرها،ثم أخذت فستانها الوردي الذي لبسته يوم ختانه… سيكون فضفاضاً لأن وزنها قد تقلص. وهذا افضل ليتماشى مع سنها .

.بدأت تمرر عليه المكواة بتؤدة، واستبدت بها حيرة… ماذا تلبس يوم الزفاف الذي سيكون قريبا ايضا؟  عليها أن تبدو في منظر لائق وهي تقف قربه ليأخذ لها المصور صورة تعلقها قرب صورة أبيه… ستحدثه وتطمئنه بأنها أدت الأمانة بصدق، وأنها كانت في مستوى المسؤولية.   لن تلبس لباساً داكن اللون كما تعودت منذ شيعوا والده إلى مثواه الأخير… اليوم ستدخل مرحلة الأفراح… لكن سؤالاً ارتسم أمامها بإلحاح: هل ستقبل زوجته أن يسمي ابنه « طيب » على اسم أبيه ؟ هي لن تتدخل، ولن تقترح… لا تريد إلا هناءه وسعادته.

لم تتفطن إلا وابنتها تقف أمامها تعانقها والدموع تنهمر… تضيء شاشة الهاتف وتريها صورته وعروسه يزفان في قاعة فخمة وبمعازيم من الأكابر.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *