أي ثقافة نريد؟

أي ثقافة نريد؟
شارك

فؤاد الجعيدي

في الواقع، وقول الصراحة فضيلة، هل لنا سياسة ثقافية؟ نعم وهي في عمقها محافظة، تلعب فيها الأدوار الفاعلة والمؤطرة البنيات السياسية القائمة والقوى المتصارعة في الحقول الاجتماعية، وتستهدف التأثير في السلوكات الفردية والجماعية للناس. وتعمل على الترويج لنماذج تبين في بعض السياقات أنها كانت مستوردة لغايات المسخ والتشويه لمقومات الأمة.

إن تراثنا الفكري، ساهمت فيه حضارات استقرت بهذا التراب الوطني منذ العصر اليوناني وعلى امتداد حقب تاريخية تكونت الشخصية المغربية من الروافد الأمازيغية واليهودية والافريقية والعربية الإسلامية والأندلسية وامتد الانفتاح والتلاقح خلف ضفة البحر المتوسط..  واتسعت حدودها إلى العمق الإفريقي والشرق والشمال الأوربي من الجزيرة الايبيرية.

ومن كل هذا العمق تركبت الذات المغربية في هويتها المتفردة عن العديد من الشعوب ومنها الجيران في المأكل والملبس والطبوع الموسيقية والخط والقراءة والاجتهادات الفقهية المتفردة عن الشرق العربي..

لكن حدث وأن أتى من أفسد كل هذا، واستحدث ثقافات جديدة، أخطر ما فيها أنها التفت على الديني واستوردت له أشكالا شاعت مع الحركة الوهابية، وكثر الخطباء وجندت النساء للفتاوي فيما بين الحلال والحرام وباتت بعض من مساجدنا يلتئم فيها وعاظ يبشرون بالنار أكثر من تبشيرهم بالحياة وما ينبغي أن يكون عليه أمرها من قيم إيجابية. وتسربوا لمجامع الأفراح والأقراح، ولكأنهم نالوا تفويضا من الله على العباد ونسبوا لأنفسهم الوصاية كلامه، إلى أن تمكنوا عبر كل الأذرع، من ترسيخ عادات وممارسات غريبة عن طقوس التدين كما تم بناؤها من خلال نصوص القرآن والسنة  على امتداد قرون وضمن رؤية الاعتدال التي ظلت ميزة بين المغاربة.

وتم تكفير الفكر العقلاني ومحاربة الفكر الفلسفي، إلى أن استيقظنا على ظهور حركات متطرفة تعمل على نسف المجتمع والعودة به إلى نماذج موغلة في التخلف.

استنبات هذه الثقافات، دعمه المال والكتب والأسطوانات التجارية، التي كانت تشكل وعاء قادما من شرق المؤامرات والتطاحن بين قوى سياسية إقليمية، للالتفاف على عقول البسطاء..

اليوم في المملكة العربية السعودية، وصلت الأفكار المتطرفة إلى منتهاها،  وبها إصرار على العودة إلى الفكر العقلاني والذي لا يتعارض مع نصوص الدين وسماحته، وتم الإقرار بترسيم الدرس الفلسفي في المراحل الأولى من التعليم، بتأطير رفيع من فلاسفة العصر الحديث ومن كل الحساسيات والذين يعالجون قضايا هذا الراهن لاستراد إنسانية الناس.

ما يجب اليوم تمثله في الثقافة أن لا نتحدث باسم المثقفين والمبدعين ونلغي مساحاتهم الطبيعية في الحضور في قلب المجتمع ونقاشاته وأسئلته الكبرى. وأن نعترف أن الاقصاء والتهميش كانت له كلفة على قيم التنوير وصياغة النماذج المطلوبة للتقدم الفكري والاجتماعي.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *