سفر الغواية البيضاء
د. سعيد ألعنزي تاشفين
حلم وأمل يغسلان كل وحل من الطريق الموجعة، وهما يضمدان جراحات القلب ويفتحان باب الرّحلة الكبرى نحو صبابة الانتظار. حلم مطير ينساب زلالا ً يا رفاق الأنس الدنيوي، ويا أيها النبض ها أنا جئتك مغسولا من اللؤم المتهالك القديم، ومن ناتئات البغضاء والعُسر، من اليُتم الحصور؛ فأنا شربت قدحي وهو يكفين، وغفرت لكل أحزاني ذنوبها ومضيت .
المكان بالنسبة لي واحد لكن تخدشه الأسباب؛ ثم يضطرنّي الهروب، والأروح ذاتها تغريني لكن تُبهرجها الحجب، والأشياء تتمدّد على بساط الانتباه إلا قليلاَ، والليالي الباردة أعشقها وهي تكتب أسماءها على أسمال الفطنة البالية وعلى تصدّعات القلب، وتؤرقني، والرحيل جفاء مؤلم على لظى الحسرة، وذكراهم تغرس شوق التذكّر على بيدر الصّمت، و ضلال القوافل تترجّلها أحرفي وهي تترجّى من مُكابدة الغرقى مظنة للسؤال، والحنين مشجب للغوايات القديمة، نبض نبض ، ترتَّبت آلاؤك البيّنات يا أحجيات الذين رحلوا، وتفتّقت خيباتك عن مثل هدير الذكرى عن مثل مدامع فلاّحات غرق زرعهن وحلمهن ووجدهن؛ غرق غرق، غرق غرق ..
المكان يتجدّد بلا ذاكرة ولا يعني أي شيء؛ هوية ممزّقة باللامعنى ، بلا أرواح تحلق محض خواء نبضاتي، بألف هزيمة قديمة أو بانتصار وشيك لا يعدو مسافة تفصل بين القلب والشوق، لكن للمسافات في جوهرها عناد مثل ضجّة صامتة على ما يفوح العبير أو يتنزى وعد التوسّلات أو تحزنا صبابات الميقات، وتنسِجنا النجيمات غسق غسق ، وللدّجى شرف اغتيال الليل ، و المسافات وزر الحنين .
المسافات انتباه الغرقى ونُهى يُثمر دمعا ولسعة وجد ولوعة تنفلت من خاطر البادية، وهي خطف يجيء بلا توطئة و بُهرج للحكاية التي تنزف وتذكرة يتّمتها أتربة الرحيل. المسافات تلويحة للشمس تسقط من شفاه العاشق فتنير له تخوم الروح المتعبة؛ فيستفيق وينام، وبذرة تعلق بشقوق أقدام المغادرين نحو المستحيل. المسافات خفق لقلب بلا هوية، انحناء اضطراري على دروب التراب الموغل بندى الضباب، وهي غرق على يمّ تحدّه العيون ويرتّب الأنفاس على شجن المكان لأجل أن أتوضأ من مدامع الشوق نحو قِبلة النسيان وأصلي صلاة الأوابين بمحراب المسافات اللعينات الجريحات، وأمضي وأسبِّح توسلاّ لها؛ فأواصل التذكر ألف تعب منها و مني، وتستمر مسافة المسافات ..