حشرجات وبوح ..

حشرجات وبوح ..
شارك

د. سعيد ألعنزي تاشفين

    ويشاء الحنين أنه حينما ينادي الديك في السّاحرة فإنه ينقل لوعة الأرض إلى السّماء ، يبلّغ غبنها ووجلها، أشواقها وحشرجتها ، ضعفها وعِنداها ..

    يقول الديك لحبيبته إن الأرض نُخرت من مضمونها ، و إن الإنسان اعتدى على النواميس القديمة و على الفطرة الأولى ، و  ما يزال يحمل حقده ليخرّب ما تبقى من سجايا الأرض الحليمة .

    الديك فجرا يقول إن المرضى ينتظرون عافيةً وشيكةً ، والجوعى ينتظرون طعاما شهيًّا ، والجرحى ينتظرون ضمادًا ، والغرس ينتظر ماءً ، و الأطفال ينتظرون دُميةً جديدةً ، والأمهات لا يريدن إلاّ الصمت في انتظار الرّحيل الأخير ، فلِما الضجيج !!

    يقول الديك إن سبحات السّحر تشتاق إلى الأنامل المؤمنة تُداعبها عندما يدلق الليل ما تبقى من شجنه والحلكة من سجيتها على باحة الدّجى، والطهر يصبح ماء زلالا يغتسل منها ميعاد الوصل البعيد ..

     بين سماءين حوار من جفاءٍ، من حزنٍ، من حبٍّ، من عشقٍ لا يشيخ على حظوة النبض الفتيّ، إذ تقول السّماء الفاتنةُ لقرينتها؛ رتّبتك عروض النجوى، و أنذرتك مواعيد الهطول، وزملتك حصيات الخواطر، ثم اتّسقت أحزانك ببلابل الربيع الحامل للخوف المحمّل بالعطش الكبير .

    تقول السماء الحصوف وهي تجيب ؛ أنبأتني الزّرقة عن خطى المحراث ، و الويل كل الويل عن الليل المتغطرس الديّان ، و الحزن عن سجايا الغفيلة . لقد أنبأتني مواعيد النهار عن جنوح الانتظار و وابل البهرج عن شرود العتمة وضحك النُّجيمات الوحيدات ، وابتسامة الله الجميلة ، وتنهّدات العاشقين الطويلة خلف المسافات الجاحدات ..

    قالت السّماء للسّماء في جو مهيب تؤثثه نجوى الصمت كيف نذرتك ؟! فأجابت تسبق بشاراتك ومواكبك أحلامي الفاقدة بريقها، وأجابت الأخرى دسّيني منك في حُزمة الصبح الحرون. سماؤك يا سمائي كئيبة فأين يا ترى فيلق الأسماء التي كانت، أين فيلق العشاق..

    تلك سماء صاهرت المواويل والشعراء،  وهذي سماء لا مكان بها إلا للشجون خلف مساحات القلوب، وانتظار المواعيد التي لا تأتي إلاّ طائفة بخواطر الغرقى . و هذا أنا لم يرحل فجري ولكنها غيمة الهطول، ولم تسقط أحلامي مني ولكنه رمي البذار، ولم تعتم عيوني و لكنه فوج التقاط البوح ، و لم ينعرج خطوي و لكنه اتّقاء الشائكة، وأنا وما بقي منّي لم اتغير أبدا و لكن لحظك ينظر لغير انتباه الهنيهة ..

    ويستمر البوح، وها أنا أحلم وها أنا أنام …

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *