ما معنى أن تعود الوجوه القديمة للخطابة السياسية؟

ما معنى أن تعود الوجوه القديمة للخطابة السياسية؟
شارك

فؤاد الجعيدي

الحاج نبيل، رجل وسيم وتسعفه لغة الإطناب العربي، والمناورات ضد الرفاق قبل الخصوم، هو ليس بمثقف بأي معنى من المعاني، وليس مناضل، ولم يتمرس على الكفاح الاجتماعي في نقابة من النقابات، بل ظل يبحث عن العلاقات التي تساعد على التسلق وهذا ليس عيب، جرب حظه مرات عديدة في المناصب، وخرج من كل الجبهات متعبا يجر الخيبات.

هذا الرجل البرجوازي الوسيم الذي يجيد ربطة العنق، والمشي بخيلاء، عنيد، وقد ورث عناده من الشبيبة الاشتراكية، حيث يوضع الوشاح الأحمر على العنق، ثم يهتف بالأناشيد كما لا زال يفعل الشباب، لكن في مرحلته كانت الشبيبة تمتع بالسفرات إلى المؤتمرات والمهرجانات الطلابية عبر القارات.. هذا هو الإرث الذي راكمه هذا الشاب.

لكن باتت فيه عادة، هي حب إلقاء الخطب، والافتتان بالجالسين أمامه على الكراسي في القاعات المغلقة وهو يرغد ويزبد ويجهش باللغة.

وما ظل الرجل وفيا له، أن لا يترك الكرسي لغيره، من القادمين بقناعات قريبة من التحولات التي عرفها المشهد السياسي والاجتماعي ببلادنا من تحولات غدت تحتاج لرجال آخرين، غير أن الرجل ظلت لديه قناعة واحدة هو وحده من يضيء البلاد.

دخل وخرج من أبواب عديدة من المسؤوليات العظيمة، لكن لم يترك أثرا يخلده كما خلد مناضلين قبله من طينة المرتبطين بهموم الناس والذين خلفوا تراثا فكريا في الثقافة والأدب والسياسة والثقافة العمالية  وتركوا آثارا دالة عليهم، منهم علال الفاسي السي ناصر عزيز بلال شمعون ليفي  وعلي يعته وعبد المجيد الذويب وبول باسكون وادريس بنعلي والغرباوي وما هي إلا نماذج غيرها كثير وفي كل الأحزاب الوطنية ، لكن الحاج نبيل لم تسكنه القناعة بضرورة الخلود إلى الراحة البيولوجية.

الحاج نبيل، ليس وحده على هذا الحال، هناك الحاج بن كيران، الذي عمل وبقوة على تبخيس السياسة، بخطابات يمتزج فيها الحكي بالتنكيت وذكر المستملحات، ولا زال الرجل يصر على الظهور ويستخدم المؤسسة الملكية بمناسبة ومن دونها، ويعتقد أنه ضروري للتوازن السياسي في هذا البلد الأمين.. بفتاويه التي لا تنشر إلا الأباطيل كما فعل في واقعة الأجر مقابل العمل ولم يعمل بها.

في الواقع لا زالت الأحداث تؤكد أن الرجل، لا يلتقط الرسائل حين يتعلق الأمر بجنابه الموقر، دأبا على مقولة أن الجمل لا ينظر إلى سنمه. لكن أن ينشغل الرجل بفتاة في مقتبل العمر، ويخصص لها حيزا من التسفيه فبكل مقاييس الدنيا والآخرة هذا عيب، وأن يعمل على التنقيص منها بسبب أنوثتها، أن الرجل لم يتعظ  رغم أنه بلغ من العمر عتيا. وحين دخل إلى مربع الصبية كانت مطباته كعودة الشيخ إلى صباه.

هذه النماذج تؤكد أنهم لا يثقون في هذا الوطن، ولا يثقون في شبابه لتحمل المسؤوليات، ويقدمون صورة عن الوطن أنه لا يزخر بالكفاءات ومن هم أهل للمسؤولية، في حين أن البلاد من مشارقها ومغاربها ومن شمالها إلى جنوبها، فيها معادن أصيلة من خريجي المؤسسات الجامعية العليا الوطنية والأجنبية ويجيدون التعاطي مع قضايا عصرهم بروحه المدعومة باقتصاد المعرفية والتكنولوجيات الحديثة.

إن أقوى خدمة قد يقدمها هؤلاء لأنفسهم وللوطن، أن يعلنوا جهرا أنهم اعتزلوا السياسة، لأنهم معا أدروا البلاد وشؤونها لعقدين من الزمن ولم يراكموا سوى البؤس الاجتماعي لدى شرائح واسعة من المجتمع المغربي.

واتخذوا قرارات قاسية في حق البسطاء والمأجورين، لا زالت تبعاتها سارية إلى يومنا هذا.. لكن جفونهم لا ترف حياء في التنظير للديمقراطية وفي إعطاء الدروس البالية والقديمة للدولة وكأنهم باتوا أعمدة خيمة الوطن.

لو كنت مؤهلا بالإمكانيات، سأعمل على إقامة حفل كبير لهؤلاء الرجال، وأعلن فيه للناس رصيدهم الهائل، الذين قدموه للمجتمع، وتضحياتهم الجسام من أجل الوطن والشعب، وأسمي بأسمائهم بعض الساحات والشوارع أو أنصب لهما تذكارا على المدن التي صعدوا بها ثم نودعهما بالهدايا كأبطال وطنيين ونصفق لهم طويلا.. ونوقف هذا النزيف المر الذي نحياه.

لكن كل خوفي أن لا يقبلا عرضي هذا الذي رأيت في منامي رؤية الصاحي.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *