معركة الثور الإسباني والأسد الأطلسي من الرابح على الصعيد الاقتصادي؟
الدكتور سيف الدين شائق
قبل بدء مرحلة الوباء، كانت إسبانيا أكبر شريك تجاري للمغرب، ففي عام 2019 للسنة السادسة على التوالي، وبحسب التقرير الذي نشره مكتب الصرف في يونيو 2019، فقد بلغ إجمالي حجم التجارة مع المملكة 144.4 مليار درهم، بزيادة قدرها 3.2 مليار درهم مقارنة بعام 2018. متبوعة فرنسا، بإجمالي 120.9 مليار درهم، بزيادة قدرها 3.8 مليار درهم في سنة واحدة. لهذا تظل أوروبا إلى حد كبير الشريك التجاري الأكبر للمغرب، على الرغم من انخفاضها بمقدار 0.6 نقطة، فإنها تمثل 65.8٪ من التجارة الدولية.
تتقدم إسبانيا على فرنسا، بصفتها العميل الأول والمورد الأول للمملكة، الشريك التجاري الأكبر للمغرب، على الرغم من أن الميزان الاقتصادي مختل، ويصب أكثر في مصلحة الجارة الإسبانية ضد المملكة التي تستضيف على أراضيها ما يقرب من 1500 شركة برأسمال إسباني، وتظل أيضًا الوجهة الأولى للاستثمارات الإسبانية في إفريقيا. زمن بين العوامل المشجعة على هذا الارتباط الاقتصادي الوثيق، القرب الجغرافي، ولكن أيضًا ببعض أوجه التشابه، سواء كانت دولًا ذات توجهات سياحية وزراعية وحاضرة جدًا في صناعات مثل الأغذية الزراعية، والسيارات، والطاقة، أو حتى صناعة الطيران.
يعمل هذا التقارب في المصالح الاقتصادية، على تقوية إطار الشراكة، أكثر من تعزيز الجانب التنافسي. وفي هذا السياق، ترأس الملك محمد السادس وعاهل إسبانيا الملك دون فيليبي السادس، في فبراير 2019 بالرباط، حفل التوقيع على 11 اتفاقية تعاون ثنائي في عدة مجالات، الهدف منها، إعطاء دفعة جديدة لعلاقات التعاون المغربي – الإسباني، مع إرادة الملكين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية، متعددة الأبعاد التي تربط البلدين على المدى المتوسط والطويل.
ومع ذلك، أعلنت إسبانيا « حربًا اقتصادية » على المغرب في 2019، فقد قررت الجارة الإيبيرية فرض غرامة تصل إلى 700 يورو، على أي ناقلة شحن مغربية تحتوي خزانها على أكثر من 200 لتر من الديزل. وهذا يجبر المغاربة على شراء 1300 لتر من الديزل من ناقلات إسبانية. هدف هذا الإجراء كبح جماح صادرات البلاد لعرقلة تنافسية المنتج المغربي، خاصة في المجال الزراعي، إذ يعتبر الإسبان المغرب ظلًا لهم في السوق الأوروبية.
وجاء الرد المغربي سريعا وحكيما، إذ قررت مديرية الاستيراد والتصدير، التابعة لسلطات ميناء طنجة المتوسط، أكبر ميناء في أفريقيا، الذي يربط المغرب بإسبانيا بميناء الجزيرة الخضراء، إلزام شاحنات الشركات الإسبانية بعقد مع شركة مغربية، إذا أرادت العبور إلى التراب المغربي. وأشارت المديرية في مذكرة إخبارية لها، إلى أن الشاحنات المجرورة، التي يكون مصدرها إسبانيا، ستخضع لمراقبة فرضتها وزارة التجهيز والنقل، حيث يفترض أن تدلي بعقود تعاون مع شركات موجودة بالمغرب.
منذ ذلك الحين، هاج الثور الإسباني وكشف عن نيته في إلحاق الأذى بالأسد الحكيم، ليس على المستوى الاقتصادي فقط ولكن في جميع المجالات.
وفي ظل هذه الجدالات غدت بعض وسائل الإعلام الإسبانية تزعم في هذا الصدد، أن المغرب يمكن، على سبيل المثال، تقييد الاستثمارات الإسبانية في المملكة في مشاريع البنية التحتية الكبرى والسياحة، على وجه الخصوص. وبالمثل، لنتذكر أن هذا يخدم مصلحة المملكة إذ أن هدف الحكومة المغربية هو تقليص الواردات من 183 مليار درهم إلى 100 مليار درهم، من أجل الفوز بإنتاج محلي بقيمة 83 مليار درهم في المملكة.
في الأساس، يتم تفضيل الإنتاج المحلي الآن، عندما يمكن أن يكون بديلاً للواردات. لذلك يمكن أن تتحمل إسبانيا العبء الأكبر لتطبيق الأفضلية الوطنية وتشجيع المنتجات المغربية، في إطار العقود العامة. سيخبرنا المستقبل بالتأثير الاقتصادي لهذه الأزمة الدبلوماسية، لكن هناك شيء واحد مؤكد، هذا الأخير سيترك آثاراً، لأن المغرب لن يكون قادراً على تجديد ثقته في شريك يخطط ويتلاعب من وراء ظهره.
فيما يتعلق بقطاع السياحة، ذهب 900 ألف سائح مغربي في عام ،2018 إلى إسبانيا مقابل 814.069 إسبانيًا فقط في المغرب. تسبب هذا الانعكاس في الحضور في عجز في رصيد السفر حيث قدر بأكثر من مليار درهم. في فبراير 2019، وأعلنت برقية من وكالة أنباء EFE أن 900 ألف مغربي سافروا إلى إسبانيا. في المقابل، استقبل المغرب 814.069 زائرا إسبانيًا فقط. بفارق 10٪. مع العلم أن متوسط مدة إقامة الأسرة المغربية في إسبانيا هو 6 ليال وأن ميزانيتها اليومية (الإقامة، الطعام، الترفيه، النقل …) هي 150 يورو (حوالي 1600 درهم)، إجمالي الإنفاق السياحي المغربي في إسبانيا في لذلك يقدر عام 2018 بنحو 5.2 مليار درهم.
يفسر الفرق البالغ 1.1 مليار درهم بالعدد الأكبر من السياح المغاربة (10٪ أكثر) ولكن أيضًا بميزانيتهم الأكبر من ميزانية الإسبان الذين ينفقون 115 يورو / اليوم لمتوسط مدة الإقامة أربع ليالٍ بما في ذلك حوالي 45 يورو ليلة الفندق.
في الآونة الأخيرة وصلت الحرب إلى مستوى دبلوماسي يؤثر على السيادة المغربية. حرب يمكن أن تؤثر على إسبانيا اقتصاديًا، أكثر مما تعتقد وتقلل من صورتها كشريك موثوق به. إن الثور يهاجم الأقوياء الذين يشكلون خطرا فقط، وهذه علامة على القوة التي عززها المغرب عن طريق سنوات من العمل والتقدم على جميع المستويات. الثور الإسباني لم يعد قادرا على إخفاء خوفه من خلال الرغبة في المهاجمة المباشر، غير أن الأسد الحكيم ظل يعرف جيداً كيف يقلب الوضع ضد جار مليء بالحقد و النوايا السيئة.
ربما يخسر المغرب أشياء خلال هذه الأزمة، لكن هناك شيء واحد مؤكد، ستخسر إسبانيا أكثر مما سيفوز المغرب، وسيخسر المغرب أقل مما يمكن أن تكسبه إسبانيا من خلال إيجاد حليف مسلوب الإرادة وعديم الرؤية.