سيدتي، التغيير لا يحدث صدفة!

سيدتي، التغيير لا يحدث صدفة!
شارك

عبد العزيز شبراط

 

لسنا في حاجة إلى التذكير بالشروط الموضوعية والذاتية لحدوث التغيير، كما هو متعارف عليه منذ ظهور مفاهيم المنطق الجدلي مع ظهور الفلسفة المادية الجدلية، وبالضبط مع ظهور الاشتراكية العلمية، غير أن الإنسان المغربي كان حظه سيئا فحاصرته أدوات إنتاج الأفكار الغيبية، وأدوات التحليل الخرافي، وأصبح ينبهر لمنطق التوصيف ويتجاوب معه ظنا منه أنه يخدمه ويمكنه أن ينتج التغيير، وازداد هذا الأمر توسعا وانتشارا مع ما تعرفه وسائل التواصل الاجتماعي، التي شرعت الأبواب والنوافذ جميعها، حتى داهمنا ا الذباب والبعوض بمختلف الأنواع، وأصبحنا أمام وضع يصعب علينا فيه معالجة الأمور، وإعادة الترتيب كما يجب أن يكون، فسمحت هذه الأدوات لكل فم أن يتفوه بما يشاء، ومكنت  صاحبه أن يتخذ موقف المفتي، ويسمي نفسه العارف والعالم بأمور الدنيا والأخرة، حتى أصبح يظن كل من يملك هاتف ذكي أنه عالم في السياسة، وزعيم ثوري وبمقدوره قيادة الجماهير، وتوجيهها إلى حيث يريد، وهذا ما يحدث كل يوم هنا وهناك، حتى أصبحنا محاصرين بهذه الأنواع من كل جانب، ولم نعد قادرين على مواجهتها، بحيث أصبحت تتحور بشكل سريع و تنتشر أسرع مما تتحور.

ومن بين هؤلاء سيدة جعلت من نفسها ناطقا باسم الشباب دون استشارتهم ولا حتى إشراكهم،  وجعلت من نفسها قوة ضاغطة، وكأنها قاست ميزان القوى واستنتجت أنه بجانبها ومعها  فتجرأت وقايضت صاحب الجلالة وأمير المؤمنين ووجهت له رسالة مفتوحة عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، التي أشرنا إليها أعلاه، أكدت فيها أنها: » بشأن مقاطعتنا للانتخابات القادمة 2021″ ولم توضح على من تعود نون الجماعة تلك التي استعملتها، وسمحت لنفسها أن تذكر جلالة الملك ببعض من فقرات خطاباته الموجهة للشعب المغربي، وتوضح له أن الفاسدين يخرجون من الباب ويعودون من النوافذ، وكأن صاحب الجلالة وهو السلطة العليا بالبلاد غابت عنه مثل هذه الأمور، التي يعرفها الجميع، سواء المهتم بالعمل السياسي أو غيره، فظنت أنها وحدها من يعرف ذلك، فاتخذت لها مكانا بين أربعة جدران، وشغلت أداتها الذكية و أطلقت لسانها تصف وضعا يعرفه الخاص والعام، وكانت تتحدث بحماس زائد، وكأنها اكتشفت شيئا جديدا لا يعرفه المغاربة وغيرهم، بينما كل ما تحدثت عنه بإطناب لا يخفى على أحد.

صحيح أن الكثيرين ممن سمعوا هذا الكلام، تحمسوا وظنوا أن الثورة ستحدث غدا، و أن الجميع سيقاطع الانتخابات، وأن الدولة المغربية غدا بعد الانتخابات ستقع في مأزق سياسي، وستكون الصناديق فارغة، كل هذا لن يحدث أيها السيدة، التي نصبت نفسها ناطقة باسم الشباب المغربي، دون استشارتهم ولا الاتفاق معهم على ذلك.

سيدتي، نشجع فيك غيرتك على الوطن والبلاد، ولكن نخبرك أن التغيير لا يتم بالتوصيف، أو بالحماس الزائد داخل الجدران، فللتغيير شروط وظروف ولن يحدث إن لم تتوفر تلك الشروط والظروف، والمغرب ناضل فيه الكثير واعتقل منهم الكثير ومات الكثير ليكون ما عليه اليوم، دولة المؤسسات ودولة الديمقراطية، وأنت تعلمين أن الاحزاب السياسية، بغض النظر عن وضعها ومصداقيتها، فهي عنصر من عناصر تحقيق الديمقراطية، واعلمي سيدتي، لولا نضال وتضحيات العديد من المغاربة الذين سبقوك، لما كنت تتحدثين اليوم بتلك الحرية والاطمئنان.

وإذا كنت سيدتي، تسعين للتغيير، وتطمحين لتحسين أوضاع البلاد، ما عليك سوى تنظيم هؤلاء الشباب، الذين تحدثت باسمهم دون مشاورتهم ولا الاتفاق معهم على ذلك، في حزب وتقدمين وإياهم للانتخابات، وحين تحصلين على المرتبة الاولى، افعلي ما تحلمين به وما  تطمحين  إليه. أما أن تجلسي داخل جدران سميكة، وتبتعثين برسائل مشفرة لمصلحة هذا أو ذاك باسم الشباب المغربي، فإن الحيلة لن تنطلي على أحد، وكوني متيقنة أن التغيير لا يحدث بالخطابات في غياب التنظيم والتأطير والقيادة، ولن أطيل في هذه الأمور لأنها معروفة لكل من يملك أدوات التحليل العلمي للوقائع.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *