الأمين العام للتقدم والاشتراكية وأستاذة الرقص: هي هَرْبتْ هُوَ حْصَلْ.. هي نجْحَتْ هُوَ فْشَلْ

الأمين العام للتقدم والاشتراكية وأستاذة الرقص: هي هَرْبتْ هُوَ حْصَلْ.. هي نجْحَتْ هُوَ فْشَلْ
شارك

عبد الرحيم الوالي

في نفس السنة، سنة 1989، التي جاء فيها الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية آنذاك، علي يعته، بنبيل بنعبد الله من باريس لينصبه على رأس شبيبة الحزب، كانت أخت هذا الأخير، الأستاذة نوال بنعبد الله، تدشن مشروعا للرقص الشرقي والمغربي بباريس.

والآن، بعد اثنتين وثلاثين سنة، صار نبيل سياسياً فاشلاً بشهادة الجميع، وأضحت الأستاذة نوال مُدَرِّسَةً شهيرة للرقص الشرقي والمغربي في العاصمة الفرنسية باريس، وحققت أعمالُها الفنية سجلا حافلا من المشاركات في مهرجانات ذات صيت عالمي، ونالت اجتهاداتُها الفنية كثيرا من الإعجاب.

اختارت الأستاذة نوال طريق الإيقاع والتناغم فأصابت الهدف، واختار نبيل طريق النشاز فأخطأ الغاية. وبينما كانت هي تحمل رسالة تحرُّر وتحرير الجسد الأنثوي عبر الرقص والموسيقى، حمل الحاج نبيل كُلَّ بَيْضِهِ السياسي (إن كان له بَيْضٌ بالفعل!) ووضعه في سَلَّة حليفٍ رجعي، ظلامي، ينتمي إلى ثقافة ترى جسد المرأة عورة.

تناسى الحاج أن تحالفا من هذا القبيل ليس متناغماً على الإطلاق، ولم ينتبه إلى خطر فقدان الإيقاع، لأنه على الأرجح يفتقر إلى حِسِّ أستاذة الرقص. ولو أنه كان قارئاً جيداً للفكر السياسي، لوجد السياسة مرتبطة عند أول فلاسفتها، أفلاطون، بالإيقاع والتناغم، بل « إن حياة الناس بأكملها في حاجة إلى إيقاع وتناغم » كما يقول أفلاطون في محاورة « بروتاجوراس ».

لكن الحاج ما كان ليستفيد لا من أفلاطون، ولا من غيره من الفلاسفة، لأنه ليس على ما يبدو في زمرة القارئين. ولا هو كان ليستفيد حتى من السيدة الفاضلة أخته، أستاذة الرقص الشرقي، فيستلهم من أعمالها الفنية أهمية الإيقاع والتناغم في الحياة بشكل عام وفي السياسة على وجه الخصوص.

فكأن الرجل مهووسٌ بصناعة النشاز في كل ما يفعله: لقد قاد الحزب اليساري التقدمي إلى التحالف مع أكثر الأحزاب اليمينية رجعية، وحول حزب العمال والفلاحين إلى حزب للأعيان والمليارديرات، وجعل من حزب المثقفين الثوريين حزبا لأناس انعقدت ألسنتُهُم عندما سألهم صحافي عن معنى الشيوعية ذات مؤتمر.

وبعد أن ظل حزب التقدم والاشتراكية، منذ عودته إلى العمل السياسي المشروع سنة 1974، يعمل في تناغم تام مع الاختيار الديموقراطي، ومع المؤسسات، خرج الحاج نبيل بموقف سياسي نشاز يطعن في مؤسسات الدولة، وفي المسار الديموقراطي، ويتحدث عن « التحكم ». والمؤسف أنه، حتى في هذا الموقف النشاز، لم يكن هو المبدع وإنما كان يردد فقط ما قاله زعيم الحزب الظلامي إذاك، عبد الإله بنكيران.

لم يَنْسَقْ حزبُ التقدم والاشتراكية مع موجة الترديد في عز أزمة الخليج عقب اجتياح صدام حسين للكويت في صيف 1990. بل سلك طريق التحليل السياسي العلمي رغم ما كلفه ذلك الموقف حينها من تحامُل. وبعد ثلاثة عشر عاما من ذلك كان العراق تحت الاحتلال الأمريكي. وأدرك الجميع أن صدام حسين قاد بلاده إلى الهاوية وأن تحليل حزب التقدم والاشتراكية كان على صواب.

لم يَنْقَد حزب التقدم والاشتراكية، سنة 1992، أثناء التعديل الدستوري وراء النزعة الرفضوية التي كانت ترفع شعار « كل شيء أو لا شيء ». بل دعا إلى التوافق بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية والديموقراطية، لإنقاذ البلاد من الأزمة. وكان موقفه ذاك نابعا، مرة أخرى، من التحليل العلمي لمعطيات الواقع السياسي الوطني. وبعد أربع سنوات، إبان التعديل الدستوري لسنة 1996، ظل الحزب على موقفه رغم أن ذلك جلب عليه ألسنة الأصدقاء قبل الأعداء. وفي سنة 1998، أي بعد ضياع ست سنوات من الزمن السياسي، لم يحصُل شيء آخر سوى التوافق بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية والديموقراطية. وأدرك الجميع مرة أخرى (حتى وإن لم يعلن بعضهم ذلك) أن موقف الحزب كان على صواب.

نعم، كان حزب التقدم والاشتراكية دائما حزبا صغيرا من الناحية العددية. لكنه كان كبيرا بثقافته، وبمواقفه المبنية على التحليل لا على الاندفاع، وبمناضلاته ومناضليه الذين كانوا في عمومهم يملكون ثقافة سياسية وأيديولوجية صلبة، ومسلحين بما يكفي من أدوات التحليل. ولم يحدث أن صار الحزب إِمَّعَةً إِمَّرَةً يردد ما يقوله الظلاميون إلا مع الحاج نبيل بنعبد الله. والأخطر أن الحزب، بعد كل هذا، تم لَفْظُهُ بطريقة مُهينة من طرف الحزب الظلامي نفسه.

ولو أن الحاج نبيل تواضع وصار تلميذا لدى السيدة أخته، الأستاذة نوال، وتعلم على يديها ما تيسر من الرقص الشرقي والمغربي، ورأى كيف أنها في لوحاتها الفنية الجميلة تستغل نقاط التناغم والانسجام لصُنع تلك التوليفات النغمية والحركية الرائعة، لكان قد تشبَّع بروح الإيقاع وبروح التناغم، ولكان قد أدرك خطر النشاز في التحالف مع قوة تريد العودة بالمجتمع أربعة عشر قرناً إلى الوراء.

وعلى ما يبدو، ورغم أن التعلُّم في الكبر يكون صعباً، فالحاج لا يزال يتمتع بدرجة من الرشاقة تسمح له بممارسة الرقص. ولعله يفعل خيرا إذا ما أراح واستراح وترك السياسة والتحق بمدرسة الأستاذة نوال ليتشبع هناك، جسدا وروحا، بما تيسر من شحذ النفس والقوام. فحتى مبادئ البرمجة العصبية اللغوية تقضي بأن يقوم الفاشل باستلهام برنامج الناجح. وقد نجحت الأستاذة نوال وفشل الحاج نبيل، حتى أن خاطراً لا يخلو من إيقاع وتناغم يوحي لنا بالقول:  » هي هَرْبتْ هُوَ حْصَلْ.. هي نجْحَتْ هُوَ فْشَلْ »، ويغرينا بميزان شعبي يكسر رتابة حياتنا السياسية.

admin

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *