رجُلٌ على سُلّمِ الدّو
نرجس ريشة/شاعرة من المغرب
كعِطرٍ فرنسي يتغلغل في الذاكرة حضورك حولي .
لستُ أذكر في أيّ ازدحامٍ صباحي عَلِقْنا معًا على الطريق ، أو في أيّ مخبز ابتسم أحدُنا والآخَرُ يظفَرُ بآخِر هلالية محشوة بالكَرَز.
لستُ أدري أيُّ قصيدة تَصادَفَ أن فَصَلَنا في قراءتها بيتين، وعلى أيِّ جسر تقاطعت خطانا عند الغَسَق.
أيُعقل أن يكون لكلماتك بصمةٌ جينية ! خليطٌ من الكاكاو والمَانُولْيا ، حبّةُ هالٍ وشيءٌ غير يسير من كبرياء الصّندل.
هكذا أنت حين تعبُر إليّ من نافذة الكلمات، متفرّدٌ في حضورك المُختَصَرِ – جدا – وفي غيابك المُفتَعَلِ كحرائق الثُّوار، تأتي على كلّ شيء كي تُبقي بعدها على كلّ شيء.
هكذا صوتك الذي لا أعرف وأجزم أنّه على مقام النّهَاوَند ، يصلني الآن وهو يقرأ
ما كتب أفلاطون عن الفلسفة و الحِكمة ، ثم يقرأ قصيدةً كتبها شاعر ثائر عن حبيبةٍ لا تأتي .
تتوقّفُ عن القراءة ، و لا يتوقّف الصّوت ولا المانوليا و الكاكاو، ولا حبّات الكَرَز.
يصِلني صوت أصابعك تُسجّلُ تاريخَ اليوم على مُذكِّرةٍ هي شاهدك الأمين، طقسٌ من طقوس القراءة عندك، حاسّةٌ سابعة فوق حواسّك الستّ، تـأخذ بيدي ونكتب معًا:
» زورق العشق من ورق، تتقاذفه أمواج الشك و اليقين، تسوقه رياح الغيرة إلى شاطئ البكاء… ينتشله الكبرياء ، ترمّم أشرعته قصص هزائم المُحبّين فيكتُب على ناصيته ‘لستَ وحدك’ فكُلُّ العشاق سواء ، يبيتون على الغيم ، يزرعون على الوسائد الأمنيات، يتراشقون الشعر و الوُعود ، والصدق و الرّياء ، والأغنيات والبكاء ، ويقطفون خيباتهم قبل الفجر بقليل . »
تُغمض عينيك لِتُبصر.
يغمُرك عطر الهالِ و الصّندل وصوتُ الماء المتسارع تحت الجسر ، ومن اللاّمكان تنطلق أغنية من الزمن الجميل .
يحمل إليك النسيم صوت خطوات آت.
تفتح عينيك، مازلنا هنا بين يَدَيْ مُذكراتك نرسم علامات استفهام لا تنتهي.
تنظر إلى الفراغ فَنَعْلق من جديد معًا، في ازدحام الكلمات.